كتاب حادى الأرواح إلى بلاد الأفراح الجزء الأول

تم تقسيم الكتاب إلى أربعة أجزاء نظرآ لشــروط النشر والمساحة

العنوان حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح
المؤلف ابن قيم الجوزية
نبذه عن الكتاب

ساق المؤلف كتابه هذا في صفات الجنة ونعيمها وصفات أهلها وساكنيها مستنداً في كل ما يذكره إلى الأحاديث المرفوعة، والآثار الموقوفة، والأسرار المودعة في كثير من الآيات، واسم الكتاب يطابق مسماه "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" ولفظه يوافق معناه، فهو عند لسان كل عبد مؤمن وقلبه.
وقصد في ذلك بشارة المؤمنين بما أعد الله لهم في الجنة منهم المستحقون للبشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة. وقد قسمه ضمن سبعين باباً. وهذا بعض ما جاء في عناوين هذه الأبواب: في بيان وجود الجنة، في اختلاف الناس في الجنة التي أسكنها آدم هل هي جنة الخلود أم جنة الأرض... في ذكر عدد أبواب الجنة، في مكان الجنة... في مفتاح الجنة... في طلب الجنة أهلها من ربهم وشفاعتها فيهم وطلبهم لها... في عدد الجنان وأنواعها... في ذكر بوابيها وخازنيها، في ذكر أول من يقرع باب الجنة، في ذكر أول الأمم دخولاً إلى الجنة... في ذكر سبق الفقراء والأغنياء إلى الجنة... في ذكر أصناف أهل الجنة التي ضُمنت لهم دون غيرهم... في ذكر آخر أهل الجنة دخولاً إليها.

---------------------------------------------------------

الجــــزء الأول

-----------

حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح
ابن قيم الجوزية



بسم الله الرحمن الرحيم وبه الإعانة


الحمد لله الذي جعل جنة الفردوس لعباده المؤمنين نزلا ويسرهم للأعمال الصالحة الموصلة إليها فلم يتخذوا سواها فسلكوا السبيل الموصلة إليها ذللا خلقها لهم قبل أن يخلقهم وأسكنهم إياها قبل أن يوجدهم وحفها بالمكاره وأخرجهم إلى دار الامتحان ليبلوهم أيهم أحسن عملا وجعل ميعاد دخولها يوم القدوم عليه وضرب مدة الحياة الفانية دونه أجلا وأودعهم مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وجلاها لهم حتى عاينوها بعين البصيرة التي هي أنفذ من رؤية البصر وبشرهم بما أعد لهم فيها على لسان رسوله فهي خير البشر على لسان خير البشير وكمل لهم البشرى بكونهم خالدين فيها لا يبغون عنها حولا والحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا وباعث الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل غذ لم يخلقهم عبثا ولم يتركهم سدى ولو يغفلهم هملا بل خلقهم لأمر عظيم وهيأهم لخطب جسيم وعمر لهم دارين فهذه لمن أجاب الداعي ولم يبغ سوى ربه الكريم بدلا وهذه لمن لم يجب دعوته ولم يرفع بها رأسا ولم يعلق بها أملا والحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل وأفاض عليهم النعمة وكتب على نفسه الرحمة وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه دعا عباده إلى دار السلام فعمهم بالدعوة حجة منه عليهم وعدلا وخص بالهداية والتوفيق من شاء نعمة ومنه وفضلا فهذا عدله وحكمته وهو العزيز الحكيم وذلك فضله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبده وابن عبده وأبن أمته ومن لا غنى به طرفة عين فضله ورحمته ولا مطمع له في الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بعفوه ومغفرته واشهد أن محمد عبده ورسوله وأمينة على وحيه وخيرته من خلقه أرسله رحمة للعالمين وقدوة للعاملين ومحجة للسالكين وحجة على العباد أجمعين بعثه للأيمان مناديا وإلى دار

  السلام داعيا وللخليقة هاديا ولكتابه تاليا وفي مرضاته ساعيا وبالمعروف آمرا وعن المنكر ناهيا أرسله على حين فترة من الرسل فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل وافترض على العباد طاعته ومحبته وتعزيزه وتوقيره والقيام بحقوقه وسد إلى الجنة جميع الطرق فلم يفتحها لأحد إلا من طريقه فلو أتوا من كل طريق واستفتحوا من كل باب لما فتح لهم حتى يكونوا خلفه من الداخلين وعلى منهاجه وطريقته من السالكين فسبحان من شرح له صدره ووضع عنه وزره ورفع له ذكره وجعل لذلة والصغار على من خالف أمره فدعا الى الله وإلى جنته سرا وجهارا وأذن بذلك بين اظهر الأمة ليلا ونهارا إلى أن طلع فجر الإسلام وأشرقت شمس الإيمان وعلت كلمة الرحمن وبطلت دعوة الشيطان وأضاءت بنور رسالته الأرض بعد ظلماتها وتألفت به القلوب بعد تفرقها وشتاتها فأشرق وجه الدهر حسنا واصبح الظلام ضياء واهتدى كل حيران فلما كمل الله به دينه وأتم به نعمته ونشر به على الخلائق رحمته فبلغ رسالات ربه ونصح عباده وجاهد في الله حق جهاده خيره بين المقام في الدنيا وبين لقائه والقدوم عليه فاختار لقاء ربه محبة له وشوقا إليه فاستأثر به ونقله إلى الرفيق الأعلى والمحل الأرفع الأسنى وقد ترك أمته على الواضحة الغراء والمحجة البيضاء فسلك أصحابه وإتباعه على أثره إلى جنات النعيم وعدل الراغبون عن هديه إلى طرق الجحيم ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم فصلى الله وملائكته وأنبياؤه ورسله وعباده المؤمنون عليه كما وحد الله وعبده وعرفنا به ودعا إليه أما بعد فإن الله سبحانه وتعالى لم يخلق خلقه عبثا ولم يتركهم سدى بل خلقهم لأمر عظيم وخطب جسيم وعرض على السموات والأرض والجبال فأبين وأشفقن منه إشفاقا ووجلا وقلن ربنا أن أمرتنا فسمعا وطاعة وان خيرتنا فعافيتك نريد لا نبغي بها بدلا وحمله الإنسان على ضعفه وعجزه عن حمله وباء به على ظلمه وجهله فألقى اكثر الناس الحمل عن ظهورهم لشدة مؤنته عليهم وثقله فصحبوا الدنيا صحبة الأنعام السائمة لا ينظرون في معرفة موجدهم وحقه عليهم ولا في المراد من إيجادهم وإخراجهم إلى هذه الدار التي هي طريق ومعبر إلى دار القرار ولا يتفكرون في قلة مقامهم في الدنيا الفانية وسرعة رحيلهم إلى الآخرة الباقية فقد ملكهم باعث الحس وغاب عنهم داعي العقل وشملتهم الغفلة وغرتهم الأماني الباطلة والخدع الكاذبة فخدعهم

  طول الأمل وران على قلوبهم سوء العمل فهممهم في لذات الدنيا وشهوات النفوس كيف حصلت حصولها ومن أي وجه لاحت أخذوها إذا بدا لهم حظ من الدنيا بآخرتهم طاروا إليه زرافات ووحدانا وإذا عرض لهم عاجل من الدنيا لم يؤثروا عليه ثوابا من الله ولا رضوانا يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون والعجب وكل العجب من غفلة من لحظاته معدودة عليه وكل نفس من أنفاسه لا قيمة له إذا ذهب لم يرجع إليه فمطايا الليل والنهار تسرع به ولا يتفكر إلى اين يحمل ويسار به اعظم من سير البريد ولا يدري إلى اي الدارين ينقل فإذا نزل به الموت أشتد قلقه لخراب ذاته وذهاب لذاته لا لما سبق من جناياته وسلف من تفريطه حيث لم يقدم لحياته فإذا خطرت له خطرة عارضة لما خلق له دفعها باعتماده على العفو وقال قد أنبئنا أنه هو الغفور الرحيم وكأنه لم ينبأ أن عذابه هو العذاب الأليم فصل   ولما علم الموفقون ما خلقوا له وما أريد بإيجادهم رفعوا رؤسهم فإذا علم الجنة قد رفع لهم فشمروا إليه وإذا صراطها المستقيم قد وضح لهم فاستقاموا عليه ورأوا من اعظم الغبن بيع ما لا عين رأت ولا إذن سمعت ولا خطر على قلب بشر في أبدلا يزول ولا ينفذ بصبابة عيش إنما هو كأضغاث أحلام أو كطيف زار في المنام مشوب بالنغص ممزوج بالغصص إن أضحك قليلا أبكى كثيرا وإن سر يوما احزن شهورا الآمه تزيد على لذاته وأحزانه أضعاف مسراته وله مخاوف وآخره متآلف فيا عجبا من سفيه في صورة حليم ومعتوه في مسلاخ عاقل آثر الحظ الفاني الخسيس على الحظ الباقي النفيس وباع جنة عرضها السموات والأرض بسجن ضيق بين أرباب العاهات والبليات ومساكن طيبة في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار بأعطان ضيقة آخرها الخراب والبوار وأبكارا أعرابا أترابا كأنهن الياقوت والمرجان بقذرات دنسات سيآت الأخلاق مسالخات أو متخذات أخذان وحورا مقصورات في الخيام بخبيثات مسيبات بين الأنام وأنهارا من خمر لذة للشاربين بشراب نجس مذهب للعقل مفسد للدنيا والدين ولذة النظر إلى وجه العزيز الرحيم بالتمتع برؤية الوجه القبيح الذميم وسماع الخطاب من الرحمن بسماع المعازف والغناء والألحان والجلوس على منابر اللؤلؤ

والياقوت والزبرجد يوم المزيد بالجلوس في مجالس الفسوق مع كل شيطان مريد ونداء المنادي يا أهل الجنة إن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا وتحيوا فلا تموتوا وتقيموا فلا تظعنوا وتشبوا فلا تهرموا بغناء المغنين   وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي % متأخر عنه ولا متقدم   أجد الملامة في هواك لذيذة % حبا لذكرك فليلمني اللوم   وإنما يظهر الغبن الفاحش في هذا البيع يوم القيامة وإنما يتبين سفه بائعه يوم الحسر والندامة إذا حشر المتقون إلى الرحمن وفدا وسيق المجرمون إلى جهنم وردا ونادى المنادي على رؤس الأشهاد ليعلمن أهل الموقف من أولي بالكرم من بين العباد فلو توهم المتخلف عن هذه الرفقة ما اعد الله لهم من الإكرام وادخر لهم من الفضل والإنعام وما أخفى لهم من قرة أعين لم يقع على مثلها بصر ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر لعلم أي بضاعة أضاع وانه لا خير له في حياته وهو معدود من سقط المتاع وعلم أن القوم قد توسطوا ملكا كبيرا لا تعترية إلافات ولا يلحقه الزوال وفازوا بالنعيم المقيم في جوار الكبير المتعال فهم في روضات الجنة يتقلبون وعلى أسرتها تحت الحجال يجلسون وعلى الفرش التي بطائنها من إستبرق يتكئون وبالحور العين يتنعمون وبأنواع الثمار يتفكهون يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعلمون يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وانتم فيها خالدون تالله لقد نودي عليها في سوق الكساد فما قلب ولا أسنام ! إلا أفراد من العباد فواعجبا لها كيف نام طالبها وكيف لم يسمح بمهرها خاطبها وكيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها وكيف قر للمشتاق القرار دون معانقة ابكارها وكيف قرت دونها أعين المشتاقين وكيف صبرت عنها أنفس الموقنين وكيف صدفت عنها قلوب أكثر العالمين وبأي شيء تعوضت عنها نفوس المعرضين شعر في وصف الجنة   وما ذاك إلا غيرة أن ينالها % سوى كفئها والرب بالخلق أعلم   وإن حجبت عنا بكل كريهة % وحفت بما يؤذي النفوس ويؤلم

  فلله ما في حشوها من مسرة % وأصناف لذات بها يتنعم   ولله برد العيش بين خيامها % وروضاتها والثغر في الروض يبسم   ولله واديها الذي هو موعد المزيد لوفد الحب لو كنت منهم   بذيالك الوادي يهيم صبابة % محب يري أن الصبابة مغنم   ولله أفراح المحبين عندما % يخاطبهم من فوقهم ويسلم   ولله أبصار ترى الله جهرة % فلا الضيم يغشاها ولا هي تسأم   فيا نظرة أهدت إلى الوجه نضرة % أمن بعدها يسلو المحب المتيم   ولله كم من خيرة إن تبسمت % أضاء لها نور من الفجر أعظم   فيا لذة الأبصار إن هي أقبلت % ويا لذة الأسماع حين تكلم   ويا خجلة الغصن الرطيب إذا انثنت % ويا خجلة الفجرين حين تبسم   فإن كنت ذا قلب عليل بحبها % فلم يبق إلا وصلها لك مرهم   ولا سيما في لثمها عند ضمها % وقد صار منها تحت جيدك معصم   تراه إذا أبدت له حسن وجهها % يلذ به قبل الوصال وينعم   تفكه منها العين عند إجتلائها % فواكه شتى طلعها ليس يعدم   عناقيد من كرم وتفاح جنة % ورمان أغصان به القلب مغرم   وللورد ما قد ألبسته خدودها % وللخمر ما قد ضمه الريق والفم   تقسم منها الحسن في جمع واحد % فيا عجبا من واحد يتقسم   لها فرق شتى من الحسن أجمعت % بجملتها إن السلو محرم   تذكر بالرحمن بمن هو ناظر % فينطق بالتسبيح لا يتلعثم   إذا قابلت جيش الهموم بوجهها % تولي على أعقابه الجيش يهزم   فيا خاطب الحسناء إن كنت % راغبا فهذا زمان المهر فهو المقدم   ولما جرى ماء الشاب بغصنها % تيقن حقا انه ليس يهرم   وكن مبغضا للخائنات لحبها % فتحظى بها من دونهن وتنعم   وكن أيما ممن سواها فإنها % لمثلك في جنات عدن تأيم   وصم يومك الأدنى لعلك في غد % تفوز بعيد الفطر والناس صوم   وأقدم ولا تقنع بعيش منغص % فما فاز باللذات من ليس يقدم   وأن ضاقت الدنيا عليك بأسرها % ولم يك فيها منزل لك يعلم

  فحي على جنات عدن فأنها % منازلها الأولى وفيها المخيم   ولكننا سبي العدو فهل ترى % نعود إلى أوطاننا ونسلم   وقد زعموا أن الغريب إذا نأى % وشطت به أوطانه فهو مغرم   وأي إغتراب فوق غربتنا التي % لها أضحت الأعداء فينا تحكم   حي على السوق الذي فيه يلتقي المحبون ذاك السوق للقوم تعلم   فما شئت خذ منه بلا ثمن له % فقد أسلف التجار فيه واسلموا   وحي على يوم المزيد الذي به % زيارة رب العرش فاليوم موسم   وحي على واد هنالك أفيح % وتربته من إذفر المسك أعظم   منابر من نور هناك وفضة % ومن خالص العقيان لا تتقصم   وكثبان مسك قد جعلن مقاعدا % لمن دون أصحاب المنابر يعلم   فبينا هموا في عيشهم وسرورهم % وأرزاقهم تجري عليهم ونقسم   ذاهم بنور ساطع أشرقت له % بأقطارها الجنات لا يتوهم   تجلى لهم رب السموات جهرة % فيضحك فوق العرش ثم يكلم   سلام عليكم يسمعون جميعهم % بآذانهم تسليمه إذ يسلم   يقول سلوني ما أشتهيتم فكل ما % تريدون عندي أنني أنا أرحم   فقالوا جميعا نحن نسألك الرضا % فأنت الذي تولى الجميل وترحم   فيعطيهم هذا ويشهد جميعهم % عليه تعالى الله فالله أكرم   فيا بائعا هذا ببخس معجل % كأنك لا تدري بلى سوف تعلم   فإن كنت لا تدري فتلك معصية % وإن كنت تدري فالمعصيبة أعظم فصل   وهذا كتاب اجتهدت في جمعه وترتيبه وتفصيله وتبويبه فهو للمحزون سلوة وللمشتاق إلى تلك العرائس جلوة محرك للقلوب إلى أجل مطلوب وحاد للنفوس إلى مجاورة الملك القدوس ممتع لقارئه مشوق للناظر فيه لا يسأمه الجليس ولا يمله الأنيس مشتمل من بدائع الفوائد وفرائد القلائد على ما لعل المجتهد في الطلب لا يظفر به فيما سواه من الكتب مع تضمينه لجملة كثيرة من الأحاديث المرفوعات والآثار الموقوفات والأسرار المودعة في كثير من الآيات والنكت البديعات وإيضاح كثير من المشكلات والتنبيه على أصول من الأسماء والصفات إذا نظر فيه الناظر زاده

أيمانا وجلى عليه الجنة حتى كأنه يشاهدها عيانا فهو مثير ساكن ألعزمات إلى روضات الجنات وباعث الهمم ألعليات إلى العيش ألهني في تلك ألغرفات وسميته حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح فأنه اسم يطابق مسماه ولفظ يوافق معناه والله يعلم ما قصدت وما بجمعه وتأليفه اردت فهو عند لسان كل عبد وقلبه وهو المطلع على نيته وكسبه وكان جل المقصود منه بشارة أهل السنة بما أعد الله لهم في الجنة فأنهم ! المستحقون للبشرى في الحياة الدنيا وفي الأخرة ونعم الله عليهم باطنة وظاهرة وهم أولياء الرسول وحزبه ومن خرج عن سنته فهم اعداؤه وحربه لا تأخذهم في نصرة سنته ملامة اللوام ولا يتركون ما صح عنه لقول أحد من الانام والسنة أجل في صدورهم من ان يقدموا عليها رأيا فقهيا أو بحثا جدليا أو خيالا صوفيا أو تناقضا كلاميا أو قياسيا فلسفيا أو حكما سياسيا فمن قدم عليها شيئا من ذلك فباب الصواب عليه مسدود وهو عن طريق الرشاد مصدود فيا أيها الناظر فيه لك غنمه وعلى مؤلفه غرمه ولك صفوه وعليه كدره وهذه بضاعته المزجاة تعرض عليك وبنات أفكاره تزف إليك فإن صادفت كفؤا كريما لم تعدم منه أمساكا بمعروف أو تسريحا بإحسان وان كان غيره فالله المستعان فما كان من صواب فمن الواحد المنان وما كان من خطأ فمنى ومن الشيطان والله برئ منه ورسوله وقد قسمت الكتاب سبعين بابا الباب الأول في بيان وجود الجنة الان الباب الثاني في اختلاف الناس في الجنة التي أسكنها آدم هل هي جنة الخلد أو جنة في الأرض الباب الثالث في سياق حجج من ذهب إلى إنها جنة الخلد الباب الرابع في سياق حجج الطائفة التي قالت أنها في الأرض الباب الخامس في جواب أرباب هذا القول لمن نازعهم الباب السادس في جواب من زعم أنها جنة الخلد عن حجج منازعيهم الباب السابع في ذكر شبه من زعم أن الجنة لم تخلق بعد الباب الثامن في الجواب عما احتجوا به من الشبه الباب التاسع في ذكر عدد ابواب الجنة الباب العاشر في ذكر سعة أبوابها الباب الحادي عشر في صفة أبوابها الباب الثاني عشر في ذكر مسافة ما بين الباب والباب الباب الثالث عشر في مكان الجنة وأين هي الباب الرابع عشر في مفتاح الجنة الباب الخامس عشر في توقيع الجنة ومنشورها الذي يكتب

لأهلها الباب السادس عشر في بيان توحد طريق الجنة وانه ليس لها إلا طريق واحد الباب السابع عشر في درجات الجنة الباب الثامن عشر في ذكر أعلى درجاتها وأسم تلك الدرجة الباب التاسع عشر في عرض الرب تعالى سلعته على عباده وثمنها الذي طلبه منهم وعقد التبايع الذي وقع بين المؤمنين وبين ربهم الخ الباب العشرون في طلب الجنة أهلها من ربهم وشفاعتها فيهم وطلبهم لها الباب الحادي والعشرون في اسماء الجنة ومعانيها وأشتقاقها الباب الثاني والعشرون في عدد الجنات وأنواعها الباب الثالث والعشرون في خلق الرب تعالى لبعضها بيده الباب الرابع والعشرون في ذكر بوابيها وخزنتها الباب الخامس والعشرون في ذكر اول من يقرع باب الجنة الباب السادس والعشرون في ذكر اول الأمم دخولا الجنة الباب السابع والعشرون في ذكر السابقين من هذه الأمة إلى الجنة وصفتهم الباب الثامن والعشرون في سبق الفقراء الأغنياء إلى الجنة الباب التاسع والعشرون في ذكر اصناف أهل الجنة التي ضمنت لهم دون غيرهم الباب الثلاثون في أن اكثر أهل الجنة هم أمة محمد الباب الحادي والثلاثون في أن النساء في الجنة والنار أكثر من الرجال الباب الثاني والثلاثون فيمن يدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب وذكر أوصافهم الباب الثالث والثلاثون في ذكر حثيات الرب عز وجل الذين يدخلهم الجنة الباب الرابع والثلاثون في ذكر تربة الجبنة وطينها وحصبائها ونباتها الباب الخامس والثلاثون في ذكر نورها وبياضها الباب السادس والثلاثون في ذكر غرفها وقصورها ومقاصيرها وخيامها الباب السابع والثلاثون في ذكر معرفتهم بمنازلهم ومساكنهم إذا دخلوا الجنة وإن لم يروها قبل ذلك الباب الثامن والثلاثون في كيفية دخولهم الجنة وما يستقبلون به عند دخولها الباب التاسع والثلاثون في ذكر صفة أهل الجنة في خلقهم وخلقهم وطولهم ومقادير أسنانهم الباب الأربعون في ذكر أعلى أهل الجنة منزلة وأدناهم الباب الحادي والأربعون في تحفة أهل الجنة أول ما يدخلونها الباب الثاني والأربعون في ذكر ريح الجنة ومن مسيرة كم يوجد الباب الثالث والاربعون في الاذان الذى يؤذن به المؤمن فيها الباب الرابع والأربعون في أشجار الجنة وبساتينها وظلالها الباب الخامس والأربعون في ذكر ثمارها وتعدد أنواعها وصفاتها الباب السادس والأربعون في ذكر الزرع في الجنة الباب السابع والأربعون في ذكر أنهار الجنة وعيونها وأصنافها ومجراها الذي تجري

عليه الباب الثامن والأربعون في ذكر طعام أهل الجنة وشرابهم ومصرفه الباب التاسع والأربعون في ذكر آنيتهم التي يأكلون ويشربون فيها وأجناسها وصفاتها الباب الخمسون في ذكر لباسهم وحليهم ومناديلهم وفرشهم وبسطهم ووسائدهم ونمارقهم وزرابيهم الباب الحادي والخمسون في ذكر خيامهم وسررهم وأرائكهم وبشخاناتهم الباب الثاني والخمسون في ذكر خدام أهل الجنة وغلمانهم الباب الثالث والخمسون في ذكر نساء أهل الجنة وسراريهم واصنافهن وأوصافهن وحالهن الظاهر والباطن وجمالهن الباب الرابع والخمسون في ذكر المادة التي خلق منها الحور العين وذكر صفاتهن ومعرفتهن اليوم بأزواجهن الباب الخامس والخمسون في ذكر نكاح أهل الجنة ووطئهم والتذاذهم بذلك ونزاهته عن المذي والمني الباب السادس والخمسون في اختلاف الناس هل في الجنة حمل وولادة أم لا وحجة الفريقين الباب السابع والخمسون في ذكر سماع الجنة وغناء الحور العين الباب الثامن والخمسون في ذكر مطايا أهل الجنة وخيولهم ومراكبهم الباب التاسع والخمسون في زيارة أهل الجنة بعضهم بعضا ومذاكرتهم ما كان بينهم في الدنيا الباب الستون في ذكر سوق الجنة وما أعد الله فيها لأهلها الباب الحادي والستون في زيارة أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى الباب الثاني والستون في ذكر السحاب والمطر الذي يصيبهم في الجنة الباب الثالث والستون في ذكر ملك الجنة وأن أهلها كلهم ملوك فيها الباب الرابع والستون في أن الجنة فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الخيال وأن موضع سوط منها خير من الدنيا وما فيها الباب الخامس والستون في رؤية أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم جهرة كما يرى القمر ليلة البدر وتجليه لهم ضاحكا إليهم سبحانه لا إله إلا هو الباب السادس والستون في تكليمه سبحانه لأهل الجنة وخطابه لهم ومحاضرته إياهم وسلامة عليهم الباب السابع والستون في أبدية الجنة وأنها لا تفنى ولا تبيد الباب الثامن والستون في ذكر آخر أهل الجنة دخولا إليها الباب التاسع والستون وهو باب جامع فيه فصول منثورة الباب السبعون في المستحق لهذه البشارة دون غيره والله سبحانه وتعالى هو المسئول أن يجعله خالصا لوجهه الكريم مدينا لمؤلفه وقارئه وكاتبه من جنات النعيم وأن يجعله حجة

له ولا يجعله حجة عليه وأن ينفع به من انتهى إليه إنه خير مسؤول واكرم مأمول وهو حسبنا ونعم الوكيل
 الباب الأول في بيان وجود الجنة الآن
   لم يزل أصحاب رسول الله والتابعون وتابعوهم وأهل السنة والحديث قاطبة وفقهاء الإسلام وأهل التصوف والزهد على اعتقاد ذلك وإثباته مستندين في ذلك إلى نصوص الكتاب والسنة وما علم بالضرورة من أخبار الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم فإنهم دعوا الأمم إليها وأخبروا بها إلى أن نبغت نابغة من القدرية والمعتزلة فأنكرت أن تكون مخلوقة الآن وقالت بل الله ينشئها يوم القيامة وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة فيما يفعله الله وانه ينبغي له أن يفعل كذا ولا ينبغي له أن يفعل كذا وقاسوه على خلقه في أفعالهم فهم مشبهة في الأفعال ودخل التجهم فيهم فصاروا مع ذلك معطلة في الصفات وقالوا خلق الجنة قبل الجزاء عبث فإنها تصير معطلة مددا متطاولة ليس فيها سكانها قالوا ومن المعلوم أن ملكا لو أتخذ دارا واعد فيها ألوان الأطعمة والآلات والمصالح وعطلها من الناس ولم يمكنهم من دخولها قرونا متطاولة لم يكن ما فعله واقعا على وجه الحكمة ووجد العقلاء سبيلا إلى الاعتراض عليه فحجروا على الرب تعالى بعقولهم الفاسدة وآرائهم الباطلة وشبهوا أفعاله بأفعالهم وردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب أو حرفوها عن مواضعها وضللوا وبدعوا من خالفهم فيها والتزموا فيها لوازم أضحكوا عليهم فيها العقلاء ولهذا يذكر السلف في عقائدهم أن الجنة والنار مخلوقتان ويذكر من صنف في المقالات أن هذه مقالة أهل السنة والحديث قاطبة لا يختلفون فيها قال أبو الحسن الاشعري في كتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المضلين جملة ما عليه أصحاب الحديث وأهل السنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله لا يردون من ذلك شيئا وأن الله تعالى اله واحد فرد صمد لم يتخذ صاحبه ولا ولدا وان محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأن الله تعالى على عرشه كما قال ^ الرحمن على العرش استوى ^ وأن له يدين بلا كيف كما قال خلقت بيدي وكما قال بل يداه مبسوطتان وأن له عينين بلا كيف كما

قال تجري بأعيننا وأن له وجها كما قال ^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ^ وأن أسماء الله تعالى لا يقال إنها غير الله كما قالت المعتزلة والخوارج واقروا أن لله علما كما قال أنزله بعلمه وكما قال ^ وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ^ وأثبتوا السمع والبصر ولم ينفوا ذلك عن الله كما تعتقد المعتزلة وأثبتوا لله القوة كما قال أولم يروا الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وقالوا إنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر إلا ما شاء الله وأن الأشياء تكون بمشيئه الله كما قال تعالى وما تشاؤن إلا أن يشاء الله وكما قال المسلمون ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وقالوا إن أحدا لا يستطيع أن يفعل شيئا قبل أن يفعله أو يكون أحد يقدر أن يخرج عن علم الله أو أن يفعل شيئا علم الله أنه لا يفعله واقروا أنه لا خالق إلا الله تعالى وأن أفعال العباد يخلقها الله تعالى وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئا وأن الله تعالى وفق المؤمنين لطاعته وخذل الكافرين ولطف بالمؤمنين ونظر لهم وأصلحهم وهداهم ولم يلطف بالكافرين ولا أصلحهم ولا هداهم ولو أصلحهم لكانوا صالحين ولو هداهم لكانوا مهتدين وأن الله تعالى يقدر أن يصلح الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علم وخذلهم واضلهم وطبع على قلوبهم وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره ويؤمنون بقضاء الله وقدره وخيره وشره وحلوه ومره ويؤمنون أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله كما قال ويلجئون أمرهم إلى الله ويثبتون الحاجة إلى الله في كل وقت والفقر إلى الله في كل حال ويقولون إن القرآن كلام الله غير مخلوق والكلام في الوقف واللفظ فمن قال باللفظ أو بالوقف فهو مبتدع عندهم لا يقال اللفظ بالقرآن آن مخلوق ولا يقال غير مخلوق ويقولون إن الله تعالى يرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر ويراه المؤمنون ولا يراه الكافرون لأنهم عن الله تعالى محجوبون قال الله تعالى ^ كلا أنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ^ وأن موسى عليه السلام سال الله سبحانه وتعالى الرؤية في الدنيا وإن الله تعالى تجلى للجبل فجعله دكا فاعلمه بذلك أنه لا يراه في الدنيا بل يراه في الآخرة ولا يكفرون أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه كنحو الزنا والسرقة وما أشبه ذلك من الكبائر وهم بما معهم من الإيمان مؤمنون وإن ارتكبوا الكبائر والإيمان عندهم هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره حلوه ومره وأن ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم وأن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم والإسلام هو أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله كما جاء في الحديث والإسلام

عندهم غير الإيمان ويقرون بأن الله مقلب القلوب ويقرون بشفاعة رسول الله وأنها لأهل الكبائر من أمته وبعذاب القبر وأن الحوض حق والصراط حق والبعث بعد الموت حق والمحاسبة من الله لعباده حق والوقوف بين يدي الله تعالى حق ويقرون بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ولا يقولون مخلوق ولا غير مخلوق ويقولون أسماء الله هي الله تعالى ولا يشهدون على أحد من أهل الكبائر بالنار ولا يحكمون بالجنة لأحد من الموحدين حتى يكون الله تعالى ينزلهم حيث شاء ويقولون أمرهم إلى الله أن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ويؤمنون بأن الله تعالى يخرج قوما من الموحدين من النار على ما جاءت به الروايات عن رسول الله وينكرون الجدال والمراء في الدين والخصومة في القدر والمناظرة فيما يتناظر فيه أهل الجدل ويتنازعون فيه من دينهم بالتسليم للروايات الصحيحة ولما جاءت به الآثار التي رواها الثقات عدلا عن عدل حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله ولا يقولون كيف ولا لم لان ذلك بدعة ويقولون إن الله تعالى لم يأمر بالشر بل نهى عنه وأمر بالخير ولم يرض بالشرك وأن كان مريدا له ويعرفون حق السلف الذين اختارهم الله تعالى لصحبه نبيه ويأخذون بفضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم صغيرهم وكبيرهم ويقدمون أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم عليا رضي الله عنهم ويقرون بأنهم الخلفاء الراشدون المهديون وانهم أفضل الناس كلهم بعد رسول الله ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله أن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من مستغفر كما جاء في الحديث عن رسول الله ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال تعالى ^ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ^ ويرون إتباع من سلف من أئمة الدين وان لا يتبعوا في دينهم ما لم يأذن به الله ويقرون أن الله تعالى يجيء يوم القيامة كما قال وجاء ربك والملك صفا صفا وأن الله تعالى يقرب من خلقه كيف شاء كما قال ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ويرون العيدين والجمعة والجماعة خلف كل أمام بر أو فاجر ويثبتون المسح على الخفين سنة ويرونه في الحضر والسفر ويثبتون فرض الجهاد للمشركين منذ بعث الله نبيه إلى آخر عصابة تقاتل الدجال وبعد ذلك يرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح وأن لا يخرج عليهم بالسيف وأن لا يقاتلوا في الفتنة ويصدقون بخروج الدجال وأن عيسى بن مريم عليه

الصلاة والسلام يقتله ويؤمنون بمنكر ونكير والمعراج والرؤيا في المنام وان الدعاء لموتى المسلمين والصدقة عنهم بعد موتهم تصل إليهم ويصدقون أن في الدنيا سحرة وإن الساحر كافر كما قال الله تعالى وان السحر كان موجود في الدنيا ويرون الصلاة على كل من مات من أهل القبلة مؤمنهم وفاجرهم ويقرون أن الجنة والنار مخلوقتان وأن من مات مات بأجله وكذلك كل من قتل قتل بأجله وإن الأرزاق من قبل الله تعالى يرزقها عباده حلالا كانت أو حراما وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويخبطه وأن الصالحين قد يجوز أن يخصهم الله تعالى بآيات تظهر عليهم وأن السنة لا تنسخ بالقرآن وأن الأطفال أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وأن شاء فعل بهم ما أراد وأن الله تعالى عالم ما العباد عاملون وكتب أن ذلك يكون وان الأمور بيد الله تعالى ويرون الصبر على حكم الله والأخذ بما أمر الله تعالى والإنتهاء عمى نهى الله عنه وإخلاص العمل لله والنصيحة للمسلمين ويدينون بعبادة الله في العابدين والنصيحة لجماعة المسلمين واجتناب الكبائر والزنا وقول الزور والمعصية والفخر والكبر والازدراء على الناس والعجب ويرون مجانبة كل داع إلى بدعة والتشاغل بقراءة القرآن وكتابة الآثار والنظر في الفقه مع التواضع والاستكانة وحسن الخلق وبذل المعروف وكف الأذى وترك الغيبة والنميمة والسعاية وتفقد المآكل والمشارب فهذه جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويرونه وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب وما توفيقنا إلا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل وبه نستعين وعليه نتوكل وإليه المصير والمقصود حكايته عن جميع أهل السنة والحديث أن الجنة والنار مخل2وقتان وسقنا جملة كلامه ليكون الكتاب مؤسسا على معرفة من يستحق البشارة المذكورة وأن أهل هذه المقالة هم أهلها وبالله التوفيق وقد دل على ذلك من القرآن قوله تعالى ^ ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المآوى ^ وقد رأى النبي سدرة المنتهى ورأى عندها جنة المأوى كما في الصحيحين من حديث أنس في قصة الأسراء وفي آخره ثم أنطلق بي جبريل حتى أنتهى إلى سدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدرى ما هي قال ثم دخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله قال أن أحدكم

إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي أن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وأن كان من اهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله تعالى يوم القيامة وفي المسند وصحيح الحاكم وابن حبان وغيرهم من حديث ألبراء ابن عازب قال خرجنا مع رسول الله في جنازة رجل من الأنصار فذكر الحديث بطولة وفيه فينادي مناد من السماء إن ! صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها وذكر الحديث وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله أن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم قال فيأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل قال فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله قال فيقولان له أنظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا في الجنة قال نبي الله فيراهما جميعا وفي صحيح أبي عوانة الاسفرايني وسنن أبي داود من حديث البراء بن عازب الطويل في قبض الروح ثم يفتح له باب من الجنة وباب من النار فيقال هذا كان منزلك لو عصيت الله تعالى أبدلك الله به هذا فإذا رأى ما في الجنة قال رب عجل قيام الساعة كيما أرجع إلى أهلي ومالي فيقال أسكن وفي مسند البزار وغيره من حديث أبي سعيد قال شهدنا مع النبي جنازة فقال رسول الله أيها الناس أن هذه الأمة تبتلى في قبورها فإذا دفن الإنسان وتفرق عنه أصحابه جاءه ملك في يده مطراق فأقعده فقال ما تقول في هذا الرجل يعني محمدا فإن كان مؤمنا قال اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده رسوله فيقولون له صدقت ثم يفتح له باب إلى النار فيقولون هذا كان منزلك لو كفرت بربك فأما إذا آمنت به فهذا منزلك فيفتح له باب إلى الجنة فيريد أن ينهض إلى الجنة فيقولون له اسكن وذكر الحديث وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت خسفت الشمس في حياة رسول الله فذكرت الحديث إلى أن قالت ثم قام فخطب الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فافرغوا إلى الصلاة وقال رسول الله رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم حتى لقد رأيتني آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني

أقدم ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها حين رأيتموني تأخرت وفي الصحيحين واللفظ للبخاري عن عبد الله بن عباس قال انخسفت الشمس على عهد رسول الله فذكر الحديث وفيه قال أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله فقالوا يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك ثم رأيناك تكعكعت فقال أني رأيت الجنة وتناولت عنقودا ولو أصبته لإكلتم منه ما بقيت الدنيا ورأيت النار فلم أر منظرا كاليوم قط افظع ورأيت أكثر أهلها النساء قالوا بم يا رسول الله قال بكفرهن قيل أيكفرن بالله قال يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط وفي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر عن النبي في صلاة الخسوف قال قد دنت مني الجنة حتى لو اجترأت عليها لجئتكم بقطاف من قطافها ودنت مني النار حتى قلت أي رب وأنا معهم فإذا امرأة حسبت أنه قال تخدشها هرة قلت ما شان هذه قالوا حبستها حتى ماتت جوعا لا أطعمتها ولا أرسلتها تأكل وفي صحيح مسلم من حديث جابر في هذه القصة قال عرض على كل شيء تولجونه فعرضت على الجنة حتى تناولت منها قطفا فقصرت يدي عنه وعرضت على النار فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها وذكر الحديث وفي صحيح مسلم عنه في هذا الحديث ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه لقد جيء بالنار وذلك حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها وحتى رأيت فيها صاحب المحجن يجر قصبة في النار وكان يسرق الحاج بمحجنه فإذا فطن له قال إنما تعلق بمحجني وإن غفل عنه ذهب به وحتى رأيت فيها صاحبة الهرة التي ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعا ثم جيء بالجنة وذلكم حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه ثم بدا لي ان لا أفعل فما من شيء توعدونه إلا قد رايته في صلاتي هذه وفي مسند الأمام أحمد وسنن ابي داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو وفي هذه القصة والذي نفس محمد بيده لقد أدنيت الجنة حتى لو بسطت يدي لتعاطيت من قطوفها ولقد أدنيت النار منى حتى لقد جعلت أتقيها خشية أن تغشاكم وذكر + الحديث وفي صحيح +

مسلم من حديث أنس بن مالك قال بينما رسول الله ذات يوم إذ أقيمت الصلاة فقال يا ايها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا ترفعوا رؤسكم فإني أراكم من أمامي ومن خلفي وأيم الذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا قالوا وما رأيت يا رسول الله قال رأيت الجنة والنار وفي الموطأ والسنن من حديث كعب أبن مالك قال قال رسول الله إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة حتى يرجعها الله إلى جسده يوم القيامة وهذا صريح في دخول الروح الجنة قبل يوم القيامة ومثله حديث كعب بن مالك أيضا عن النبي أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق في ثمر الجنة أو شجر الجنة رواه أهل السنن وصححه الترمذي وسيأتي في آخر هذا الكتاب في الباب الذي يذكر فيه دخول أرواح المؤمنين الجنة قبل يوم القيامة تمام هذه الأحاديث أن شاء الله تعالى وذكر دلالة القرآن على ما دلت عليه السنة من ذلك وفي صحيح مسلم والسنن والمسند من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال لما خلق الله تعالى الجنة والنار أرسل جبريل إلى الجنة فقال أذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها فذهب فنظر إلى ما أعد الله لأهلها فيها فرجع فقال وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها فأمر الجنة فحفت بالمكاره فقال فارجع فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها قال فنظر إليها ثم رجع فقال وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد قال ثم أرسله إلى النار قال أذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها قال فنظر إليها فإذا هي يركب بعضها بعضا ثم رجع فقال وعزتك وجلالك لا يدخلها أحد سمع بها فأمر بها فحفت بالشهوات ثم قال أذهب فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها فذهب فنظر إليها فرجع فقال وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها قال الترمذي + هذا حديث حسن صحيح + وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة حجبت الجنة بالمكاره وحجبت النار بالشهوات وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله قال اختصمت الجنة والنار فقالت الجنة يا رب ما لها إنما يدخلها ضعفاء الناس وسقطهم وقالت النار يا رب ما لها يدخلها الجبارون والمتكبرون فقال أنت رحمتي أصيب بك من أشاء وأنت عذابي أصيب بك من أشاء ولكل

واحدة منكما ملؤها وفي الصحيحين من حديث أبن عمر عن النبي أنه قال اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف وروى الليث بن سعيد عن معاوية أبن صالح عن عبد الملك بن بشير ورفع الحديث قال ما من يوم إلا والجنة والنار يسألان تقول الجنة يا رب قد طاب ثمري واطردت أنهاري واشتقت إلى أوليائي فعجل إلى بأهلي وتقول النار أشتد حري وبعد قعري وعظم جمري فعجل على بأهلي وفي صحيح البخاري من حديث أنس عن النبي أنه قال بينما أنا أسير في الجنة وإذا بنهر في الجنة حافتاه قباب الدر المجوف قال قلت ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربك فضرب الملك بيده فإذا طينه المسك الأذفر وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله يقول دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا ودارا فقلت لمن هذا فقيل لرجل من قريش فرجوت أن أكون أنا هو فقيل لعمر بن الخطاب فلولا غيرتك يا أبا حفص لدخلته قال فبكى عمر وقال أيغار عليك يا رسول الله وسيأتي حديث بلال وقول النبي ولم ما دخلت الجنة إلا سمعت خشخشتك بين يدي وغير ذلك من الأحاديث التي تأتي أن شاء الله تعالى وقال عبد الله بن وهب أنبأنا معاوية بن صالح عن عيسى بن عاصم عن زر بن حبيش عن أنس بن مالك قال صلى بنا رسول الله ذات يوم صلاة الصبح ثم مد يده ثم أخرها فلما سلم قيل له يا رسول الله لقد صنعت في صلاتك شيئا لم تصنعه في غيرها قال أني رأيت الجنة فرأيت فيها دالية قطوفها دانية حبها كالدباء فأردت أن أتناول منها فأوحى إليها أن إستأخري ثم رأيت النار بيني وبينكم حتى رأيت ظلي وظلكم فأومأت إليكم أن استأخروا فأوحى إلى أقرهم فإنك أسلمت وأسلموا وهاجرت وهاجروا وجاهدت وجاهدوا فلم أر لي عليكم فضلا إلا بالنبوة فإن قيل فما منعكم عن الاحتجاج على وجودها الآن بقصد آدم ودخوله الجنة وإخراجه منها بأكله من الشجرة والاستدلال بها في غاية الظهور قيل الاستدلال بذلك وإن كان عند العامة في غاية الظهور فهو في غاية الغموض لاختلاف الغموض لاختلاف الناس في الجنة التي أسكنها آدم هل كانت جنة الخلد التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة أو كانت جنة في الأرض في شرفها ونحن

بذكر من قال بهذا ومن قال بهذا وما احتج به كل فريق على قولهم وما رد به الفريق الآخر عليهم بحول الله وقوته
 الباب الثاني في اختلاف الناس في الجنة التي أسكنها آدم عليه الصلاة
 والسلام وأهبط منها هل هي جنة الخلد أو جنة أخرى غيرها في موضع عال من الأرض قال منذر أبن سعيد في تفسير قوله تعالى أسكن أنت وزوجك الجنة فقالت طائفة أسكن الله آدم جنة الخلد التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة وقال آخرون هي جنة غيرها جعلها الله له وأسكنه إياها ليست جنة الخلد قال وهذا قول تكثر الدلائل الشاهدة له والموجبة للقول به وقال أبو الحسن الماوردي في تفسيره واختلف الناس في الجنة التي أسكناها على قولين أحدهما أنها جنة الخلد الثاني أنها جنة أعدها الله تعالى لهما وجعلها ابتلاء وليست هي جنة الخلد التي جعلها دار جزاء ومن قال بهذا اختلفوا فيه قولين أحدهما أنها في السماء لأنه أهبطهما منها وهذا قول الحسن الثاني أنها في الأرض لأنه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نهيا عنها دون غيرها من الثمار وهذا قول أبن بحر وكان ذلك بعد أن أمر إبليس بالسجود لآدم عليه الصلاة والسلام والله اعلم بصواب ذلك هذا كلامه وقال ابن الخطيب في تفسيره المشهور واختلفوا في الجنة المذكورة في هذه الآية هل كانت في الأرض أو في السماء وبتقدير أنها كانت في السماء فهل هي الجنة التي هي دار الثواب وجنة الخلد أو جنة أخرى فقال ابو القاسم البلخي وأبو مسلم الأصبهاني هذه الجنة في الأرض وجملا الأهباط على الأنتقال من بقعة إلى بقعة كما في قوله أهبطوا مصرا واحتجا عليه بوجوده القول الثاني وهو قول الجبائي أن تلك الجنة التي كانت في السماء السابعة والقول الثالث وهو قول جمهور أصحابنا أن هذه الجنة هي دار الثواب وقال أبو القاسم الراغب في تفسيره واختلف في الجنة التي أسكنها آدم فقال بعض المتكلمين كان بستانا جعله الله تعالى له امتحانا ولم يكن جنة المآوى وذكر بعض الاستدلال على القولين وممن ذكر الخلاف أيضا أبو عيسى الرماني في تفسيره واختار أنها جنة الخلد ثم قال والمذهب الذي إخترناه قول الحسن وعمرو وواصل واكثر أصحابنا وهو قول أبي علي وشيخنا أبي بكر وعليه أهل التفسير وأختار أبن الخطيب التوقف في المسألة وجعله قولا رابعا فقال والقول الرابع أن لكل ممكن والإدلة متعارضة فوجب التوقف وترك القطع قال منذر بن سعيد والقول

بإنها جنة في الأرض ليست جنة الخلد قول أبي حنيفة وأصحابه قال وقد رأيت أقواما نهضوا لمخالفتنا في جنة آ4دم عليه السلام بتصويب مذهبهم من غير حجة إلا الدعاوي والأماني ما أتوا بحجة من كتاب ولا سنة ولا اثر عن صاحب ولا تابع ولا تابع التابع ولا موصولا ولا شاذا مشهورا وقد أوجدناهم أن فقيه العراق ومن قال بقوله قالوا أن جنة آدم ليست جنة الخلد وهذه الدواوين مشحونة من علومهم ليسوا عند أحد من الشاذين بل بين رؤساء المخالفين وإنما قلت هذا ليعلم اني لا انصر مذهب أبي حنيفة وإنما أنصر ما قام لي عليه الدليل من القرآن والسنة هذا أبن زيد المالكي يقول في تفسيره سألت أبن نافع عن الجنة أمخلوقة هي فقال السكوت عن الكلام في هذا أفضل وهذا أبن عيينة يقول في قوله عز وجل إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى قال يعني في الأرض وابن نافع وامام وأبن عيينة امام وهو لا يأتوننا بمثلهما ولا من يضاد قوله لهما وهذا ابن قتيبة ذكر في كتاب المعارف بعد ذكره خلق الله لآدم وزوجه قال ثم تركتهما وقال أثمروا واكثروا وأملؤا الأرض وتسلطوا على انوان البحور وطير السماء والأنعام وعشب الأرض وشجرها وثمرها فأخبر ان في الرض خلقه وفيها امره ثم قال ونصب الفردوس فانقسم على أربعة أنهار سيحون وجيحون ودجلة والفرات ثم ذكر الحية فقال وكانت أعظم دواب البر فقالت للمراة أنكالا تموتان إن أكلتما من هذه الشجرة ثم قال بعد كلام ثم اخرجه من مشرق جنة عدن إلى الأرض التي منها أخذ ثم قال قال وهب وكان مهبطه حين أهبط من جنة عدن في شرقي أرض الهند قال واحتمل قابيل أخاه حتى اتى به واديا من اودية اليمن في شرقي عدن فكمن فيه وقال غيره فيما نقل أبو صالح عن أبن عباس في قوله أهبطوا هو كما يقال هبط فلان أرض كذا وكذا قال منذر بن سعيد فهذا وهب بن منبه يحكي أن آدم عليه السلام خلق في الأرض وفيها سكن وفيها نصب له الفردوس وإنه كان بعدن وإن أربعة أنهار أنقسمت من ذلك النهر الذي كان يسمى فردوس آدم وتلك الأنهار بقيت في الأرض لاختلاف بين المسلمين في ذلك فاعتبروا يا اولي الألباب وأخبر ان الحية التي كلمت آدم كانت من أعظم دواب البر ولم يقل من أعظم دواب السماء فهم يقولون إن الجنة لم تكن في الأرض وإنما كانت فوق السماء السابعة ثم قال وأخرجه من مشرق جنة عدن وليس في جنة المآوى مشرق ولا مغرب لأنه

لا شمس فيها ثم قال وأخرجه إلى الأرض التي اخذ منها يعني أخرجه من الفردوس الذي نصب له في عدن في شرقي أرض الهند وهذه الأخبار التي حكى ابن قتيبة إنما تنبئ عن أرض اليمن وعن عدن وهي من أرض اليمن وأخبر أن الله نصب الفردوس لآدم عليه السلام بعدن ثم أكد ذلك بأن قال أربعة الأنهار التي ذكرناها منقسمة عن النهر الذي كان يسمى فردوس آدم قال منذر وقال ابن قتيبة عن ابن منبه عن أبي هريرة قال واشتهى آدم عند موته قطفا من الجنة التي كان فيها بزعمهم على ظهر السماء السابعة وهو في الأرض فخرج أولاده يطلبون ذلك له حتى بلغتهم الملائكة موته فأولاد آدم كانوا مجانين عندكم إن كان ما نقله إبن قتيبة حقا يطلبون لابيهم ثمر جنة الخلد في الأرض قال ونحن لم نقل غير ما قال هؤلاء ولو كانت جنة الخلد فيها ونحن استدللنا من القرآن وغيرنا قطع وادعى بما ليس له عليه برهان فهذا ذكر بعض أقوال من حكى الخلاف في هذه المسئلة ونحن نسوق حجج الفريقين إن شاء الله تعالى ونبين لهم ما لهم وما عليهم
 الباب الثالث في سياق حجج من اختار أنها جنة الخلد التي يدخلها الناس
 يوم القيامة قالوا قولنا هذا هو الذي فطر الله عليه الناس صغيرهم وكبيرهم لم يخطر بقلوبهم سواه وأكثرهم لا يعلم في ذلك نزاعا قالوا وقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك عن أبي حازم عن أبي هريرة وأبي مالك عن ربعي عن حذيفة قالا قال رسول الله يجمع الله تعالى الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة فيأتون آدم عليه السلام فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم وذكر الحديث قالوا وهذا يدل على أن الجنة التي أخرج منها هي بعينها التي يطلب منه أن يستفتحها وفي الصحيحين حديث احتجاج آدم وموسى وقول موسى أخرجتنا ونفسك من الجنة ولو كانت في الأرض فهم قد خرجوا من بساتين فلم يخرجوا من الجنة وكذلك قول آدم للمؤمنين يوم القيامة وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم وخطيئته لم تخرجهم من جنات الدنيا قالوا وقد قال تعالى في سورة البقرة ^ وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما ^

كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين فهذا يدل على أن هبوطهم كان من الجنة إلى الأرض من وجهين أحدهما من لفظة اهبطوا فإنه نزول من علو إلى اسفل والثاني قوله ولكم في الأرض مستقر عقب قوله اهبطوا فدل على أنهم لم يكونوا قبل ذلك في الأرض ثم أكد هذا بقوله في سورة الأعراف قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ولو كانت الجنة في الأرض لكانت حياتهم فيها قبل الأخراج وبعد قالوا وقد وصف سبحانه جنة آدم بصفات لا تكون إلا في جنة الخلد فقال إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى وأنت لا تظمأ فيها ولا تضحى وهذا لا يكون في الدنيا أصلا فأن الرجل ولو كان أطيب منازلها لا بد أن يعرض له شيء من ذلك وقابل سبحانه بين الجوع والظمأ والعرى والضحى فإن الجوع ذل الباطن والعري ذل الظاهر والظمأ حر الباطن والضحى حر الظاهر فنفى عن سكانها ذل الظاهر والباطن وحر الظاهر والباطن وذلك احسن من المقابلة بين الجوع والعطش والعري والضحى وهذا شأن ساكن جنة الخلد قالوا وأيضا فلو كانت تلك الجنة في الدنيا لعلم آدم كذب إبليس في قوله هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فإن آدم كان يعلم إن الدنيا منقضية فانية وإن ملكها يبلى قالوا وأيضا هذه القصة في سورة البقرة ظاهرة جدا في أن الجنة التي اخرج منها فوق السماء فإنه سبحانه قال وإذا قلنا للملائكة أسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم فهذا اهباط آدم وحواء وإبليس من الجنة فلهذا أتى فيه بضمير الجمع وقد قيل إن الخطاب لهما وللحية وهذا ضعيف جدا إذ لا ذكر للحية في شيء من قصة آدم ولا في السياق ما يدل عليها وقيل الخطاب لآدم وحواء وأتى فيه بضمير الجمع كقوله وكنا لحكمهم شاهدين وهما داود وسليمان وقيل لآدم وحواء وذريتهما وهذه الأقوال ضعيفة غير الأول لأنها قول لا دليل عليه بين ما يدل اللفظ على خلافه فثبت أن إبليس داخل في هذا الخطاب وانه من

المهبطين فإذا تقرر هذا فقد ذكر سبحانه الإهباط ثانيا بقوله ^ قلنا إهبطوا منها جميعا فأما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ^ والظاهر أن هذا الأهباط الثاني في غير الأول وهو اهباط من السماء إلى الأرض والأول اهباط من الجنة وحينئذ فتكون الجنة التي اهبط منها أولا فوق السماء جنة الخلد وقد ظن الزمخشري أن قوله اهبطوا منها جميعا خطاب لآدم وحواء خاصة وعبر عنهما بالجمع لاستتباعهما ذرياتهما قال والدليل عليه قوله تعالى ^ قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو ^ قال ويدل على ذلك قوله فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون وما هو إلا حكم يعم الناس كلهم ومعنى قوله بعضكم لبعض عدو ما عليه الناس من التعادي والتباغي وتضليل بعضهم بعضا وهذا الذي اختاره أضعف الأقوال في الاية فإن العداوة التي ذكرها الله تعالى إنما هي بين آدم وإبليس وذريتهما كما قال الله تعالى إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا وهو سبحانه قد أكد أمر العداوة بين الشيطان والإنسان واعاد وأبدى ذكرها في القرآن لشدة الحاجة إلى التحرز من هذا العدو وأما آدم وزوجته فإنه إنما أخبر في كتابه أنه خلقها ليسكن إليها وجعل بينهما مودة ورحمة فالمودة والرحمة بين الرجل وامرأته والعداوة بين الإنسان والشيطان وقد تقدم ذكر آدم وزوجه وإبليس وهو ثلاثة فلماذا يعود الضمير على بعض المذكور مع منافرته لطريق الكلام دون جميعه مع أن اللفظ والمعنى يقتضيه فلم يصنع الزمخشري شيئا وأما قوله تعالى في سورة طه قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو وهذا خطاب لآدم وحواء وقد جعل بعضهم لبعض عداوا فالضمير في قوله اهبطا منها أما أن يرجع إلى آدم وزوجته أو إلى آدم وإبليس ولم يذكر الزوجة لأنها تبع له وعلى هذا فلعداوة المذكورة للمتخاطبين بالاهباط وهما آدم وإبليس فالأمر ظاهر وأما على الأول فتكون الآية قد اشتملت على أمرين أحدهما أمره تعالى لا لآدم وزوجه بالهبوط والثاني إخباره بالعداوة بين آدم وزوجته وبين إبليس ولهذا أتى الضمير الجمع في الثاني دون الأول ولا بد أن يكون إبليس داخلا في حكم هذه العداوة قطعا كما قال تعالى إن هذا عدو لك ولزوجك وقال للذرية إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا وتأمل كيف اتفقت المواضع التي فيها ذكر العداوة على ضمير

الجمع دون التثنية وأما الاهباط فتارة يذكره بلفظ الجمع وتارة بلفظ التثنية وتارة بلفظ الأفراد كقوله في سورة الأعراف قال اهبط منها وكذلك في سورة ص وهذا لإبليس وحده وحيث ورد بصيغة الجمع فهو لآدم وزوجه وإبليس إذ مدار القصة عليهم وحيث ورد بلفظ التثنية فأما أن يكون لآدم وزوجه اذهما اللذان باشرا الأكل من الشجرة وأقدما على المعصية وإما أن يكون لآدم وإبليس اذ هما أبوا الثقلين وأصلا الذرية فذكر حالهما ومآل أمرهما ليكون عظة وعبرة لأولادهما وقد حكيت القولين في ذلك والذي يوضح أن الضمير في قوله اهبطا منها جميعا لآدم وإبليس إن الله سبحانه لما ذكر المعصية أفرد بها آدم دون زوجه فقال وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى قال اهبطا منها جميعا وهذا يدل على أن المخاطب بالاهباط هو آدم ومن زين له المعصية ودخلت الزوجة تبعا فإن المقصود إخبار الله تعالى للثقلين بما جرى على أبويهما من شؤم المعصية ومخالفة الأمر فذكر أبويهما أبلغ في حصول هذا المعنى من ذكر أبوي الإنس فقط وقد اخبر سبحانه عن الزوجة بأنها أكلت مع آدم وأخبر أنه اهبطه وأخرجه من الجنة بتلك الأكلة فعلم أن حكم الزوجة كذلك وأنها صارت إلى ما صار إليه آدم وكان تجريد العناية إلى ذكر حال أبوي الثقلين أولى من تجريده إلى ذكر أبي الأنس وأمهم فتأمله   وبالجملة فقوله اهبطوا بعضكم لبعض عدو ظاهر في الجمع فلا يسوغ حمله على الأثنين في قوله اهبطا من غير موجب قالوا وأيضا فالجنة جاءت معرفة بلام التعريف في جميع المواضع كقوله أسكن أنت وزوجك الجنة ونظائره ولا جنة يعهدها المخاطبون ويعرفونها الأجنة الخلد التي وعد الرحمن عباده بالغيب فقد صار هذا الاسم علما عليها بالغلبة كالمدينة والنجم والبيت والكتاب ونظائرها فحيث ورد لفظها معرفا انصرف إلى الجنة المعهودة المعلومة في قلوب المؤمنين وأما أن أريد به جنة غيرها فإنها تجيء منكرة أو مقيدة بالإضافة أو مقيدة من السياق بما يدل على أنها جنة في الأرض فالأول كقوله جنتين من أعناب والثاني كقوله ولولا إذ دخلت جنتك والثالث كقوله أنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة قالوا مما يدل على أن جنة آدم هي جنة المآوى ما روى هوذة بن خليفة عن عوف عن قسامة بن زهير عن أبي موسى الأشعري قال إن الله تعالى لما أخرج آدم من الجنة زوده من ثمار الجنة وعلمه صنعة كل شيء

فثماركم هذه من ثمار الجنة غير إن هذه تتغير وتلك لا تتغير قالوا وقد ضمن الله سبحانه وتعالى له إن تاب إليه وأناب أن يعيده إليها كما روى المنهال عن سعيد أبن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه قال يا رب ألم تخلقني بيدك قال بلى قال أي رب ألم تنفخ في من روحك قال بلى قال أي رب ألم تسكني جنتك قال بلى قال أي رب ألم تسبق رحمتك غضبك قال بلى قال أرأيت أن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة قال بلى قال فهو قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه وله طرق عن ابن عباس وفي بعضها كان آدم قال لربه إذا عصاه رب أن أنا تبت وأصلحت فقال له ربه إني راجعك إلى الجنة فهذا بعض ما احتج به القائلون بأنها جنة الخلد ونحن نسوق حجج الآخرين
 الباب الرابع في سياق حجج الطائفة التي قالت ليست جنة الخلد وإنما هي
 جنة في الأرض قالوا هذا قول تكثر الدلائل الموجبة للقول به فنذكر بعضها قالوا قد أخبر الله سبحانه على لسان جميع رسله أن جنة الخلد أنما يكون الدخول إليها يوم القيامة ولم يأت زمن دخولها بعد وقد وصفها الله سبحانه وتعالى لنا في كتابة بصفاتها ومحال أن يصف الله سبحانه وتعالى شيئا بصفته ثم يكون ذلك الشيء بغير تلك الصفة التي وصفه بها قالوا فوجدنا الله تعالى وصف الجنة التي اعدت للمتقين بإنها دار المقامة فمن دخلها أقام بها ولم يقم آدم بالجنة التي دخلها ووصفها بإنها جنة الخلد وآدم لم يخلد فيها ووصفها بأنها دار ثواب وجزاء لا دار تكليف وأمر ونهى ووصفها بأنها دار سلامة مطلقة لا دار ابتلاء وامتحان وقد ابتلى آدم فيها بأعظم الابتلاء ووصفها بأنها دار لا يعصي الله فيها أبدا وقد عصى آدم ربه في جنته التي دخلها ووصفها بأنها ليست دار خوف ولا حزن وقد حصل للأبوين فيها من الخوف والحزن ما حصل وسماها دار السلام ولم يسلم فيها الأبوان من الفتنة ودار القرار ولم يستقر فيها وقال في داخلها وما هم منها بمخرجين وقد اخرج منها الأبوان وقال لا يمسهم فيها نصب وقد ند فيها آدم هاربا فارا وطفق يخصف ورق الجنة على نفسه وهذا النصب بعينه وأخبر أنه لالغو فيها ولا تأثيم وقد سمع فيها آدم لغو إبليس وإثمه وأخبر أنه لا يسمع فيها لغو ولا كذاب وقد سمع فيها آدم عليه السلام كذب

إبليس وقد سماها الله سبحانه وتعالى مقعد صدق وقد كذب فيها إبليس وحلف على كذبه وقد قال تعالى للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ولم يقل إني جاعل في جنة المأوى فقالت الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ومحال أن يكون هذا في جنة المأوى وقد أخبر الله تعالى عن إبليس إنه قال لآدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فإن كان الله سبحانه وتعالى قد اسكن آدم جنة الخلد والملك الذي لا يبلى فكيف لم يرد عليه ويقول له كيف تدلني على شيء أنا فيه وقد أعطيته ولم يكن الله سبحانه وتعالى قد اخبر آدم إذ أسكنه الجنة أنه فيها من الخالدين ولو علم أنها دار الخلد لما ركن إلى قول إبليس ولا مال إلى نصيحته ولكنه لما كان في غير دار خلود غره بما أطعمه فيه من الخلد قالوا ولو كان أدم أسكن جنة الخلد وهي دار القدس التي لا يسكنها إلا طاهر مقدس فكيف توصل إليها إبليس الرجس النجس المذموم المدحور حتى فتن فيها أدم عليه السلام ووسوس له وهذه الوسوسة إما أن تكون في قلبه وإما أن تكون في أذنه وعلى التقديرين فكيف توصل اللعين إلى دخول دار المتقين وأيضا فبعد أن قيل له اهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها أيفسح له أن يرقى إلى جنة المأوى فوق السماء السابعة بعد السخط عليه والأبعاد له والزجر والطرد بعتوه واستكباره وهل هذا يلائم قوله فما يكون لك أن تتكبر فيها فإن كانت مخاطبته لآدم بما خاطبه به وقاسمه عليه ليست تكبرا فما التكبر بعد هذا فإن قلتم فلعل وسوسته وصلت إلى الأبوين وهو في الأرض وهما فوق السماء في عليين فهذا غير معقول لغة ولا حسا ولا عرفا وإن زعمتم انه دخل في بطن الحية حتى أوصل إليهما الوسوسة فأبطل وأبطل إذ كيف يرتقي بعد الاهباط إلى أن يدخل الجنة ولو في بطن الحية وإذا قلتم إنه دخل في قلوبهما ووسوس إليهما فالمحذور قائم وأيضا فإن الله سبحانه وتعالى حكى مخاطبته لهما كلاما سمعاه شفاها فقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة وهذا دليل على مشاهدته لهما وللشجرة ولما كان آدم خارجا من الجنة وغير ساكن فيها قال الله تعالى له ألم أنهكما عن تلكما الشجرة ولم يقل عن هذه الشجرة فعندما قال لهما ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة لما أطعمها في ملكها والخلود في مقرها أتى باسم الإشارة بلفظ الحضور تقريبا لها وإحضارا لها عندهما وربهما تعالى قال لهما ألم أنهكما عن

تلكما الشجرة ولما اراد إخراجهما منها فأتى باسم الإشارة بلفظ البعد والغيبة كأنهما لم يبق لهما من الجنة حتى ولا مشاهدة الشجرة التي نهيا عنها وأيضا فإنه سبحانه قال إليه يصعد الكلم الطيب ووسوسة اللعين من اخبث الكلم فلا تصعد إلى محل القدس قال منذر وقد روى عن النبي أن آدم عليه السلام نام في جنته وجنة الخلد لا نوم فيها بالنص وإجماع المسلمين فإن النبي سئل أيتام أهل الجنة في الجنة قال لا النوم أخو الموت والنوم وفاة وقد نطق به القرآن والوفاة تقلب حال ودار السلام مسلمة من تقلب الأحوال والنائم ميت أو كالميت قلت الحديث الذي أشار إليه المعروف أنه موقوف من رواية أبن أبي نجيح عن مجاهد قال خلقت حواء من قصيري آدم وهو نائم وقال أسباط عن السدي أسكن آدم عليه السلام الجنة وكان يمشي فيها وحشا ليس له زوج يسكن إليها فنام نومه فاستيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه فسألها ما انت قالت امرأة قال ولم خلقت قالت لتسكن إلى وقال ابن إسحاق عن ابن عباس ألقى الله على آدم عليه السلام السنة ثم اخذ ضلعا من أضلاعه من شقه الأيسر ولأم مكانه لحما وآدم نائم لم يهب من نومته حتى خلق الله من ضلعه تلك زوجته حواء فسواها امرأة يسكن إليها فلما كشف عنه السنة وهب من نومته رآها إلى جنبه فقال لحمي ودمي وروحي فسكن إليها قالوا ولا نزاع إن الله سبحانه وتعالى خلق آدم في الأرض ولم يذكر في موضع واحد أصلا أنه نقله إلى السماء بعد ذلك ولو كان قد نقله ذلك إلى السماء لكان هذا أولى بالذكر لأنه من اعظم الآيات ومن اعظم النعم عليه فإنه كان معراجا ببدنه وروحه من الأرض إلى فوق السموات قالوا وكيف ينقله سبحانه ويسكنه فوق السماء وقد اخبر ملائكته أنه جاعله في الأرض خليفة وكيف يسكنه دار الخلد التي من دخلها خلد فيها ولا يخرج منها قال تعالى وما هم فيها بمخرجين قالوا ولم يكن معنا في المسألة إلا أن الله سبحانه أهبط إبليس من السماء حين امتنع من السجود لآدم عليه السلام وهذا أمر تكوين لا يمكن وقوع خلافه ثم أدخل آدم عليه السلام والجنة بعد هذا فإن الأمر بالسجود كان عقب خلقه من غير فصل فلو كانت الجنة فوق السموات لم يكن لإبليس سبيل إلى صعوده

إليها وقد أهبط منها وأما تلك التقادير التي قدرتموها فتكلفات ظاهرة كقول من قال يجوز أن يصعد إليها صعودا عارضا لا مستقرا وقول من قال أدخلته الحية وقول من قال دخل في أجوافها وقول من قال يجوز أن تصل وسوسته إليها وهو في الأرض وهما فوق السماء ولا يخفى ما في ذلك من التعسف الشديد والتكلف البعيد وهذا بخلاف قولنا فإنه سبحانه لما أهبطه من ملكوت السماء حيث لم يسجد لآدم عليه السلام أشرب عداوته فلما أسكنه جنته حسده عدوه وسعى بكيده وغروره في إخراجه منها والله أعلم وقالوا ومما يدل على أن جنة آدم لم تكن جنة الخلد التي وعد المتقون أن الله سبحانه لما خلقه أعلمه أن لعمره أجلا ينتهي إليه وأنه لم يخلقه للبقاء كما روى الترمذي في جامعه من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله لما خلق الله آدم عليه السلام ونفخ فيه الروح عطس فقال الحمد لله فحمد الله بأذنه فقال ربه يرحمك الله يا آدم أذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملأ منهم جلوس فقال السلام عليكم قالوا وعليك السلام الخ ثم رجع إلى ربه فقال إن هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم فقال الله له ويداه مقبوضتان أختر أيهما شئت فقال أخترت يمين ربي وكلتا يديه يمين مباركة ثم بسطها فإذا فيها آدم وذريته فقال يا رب ما هؤلاء قال هؤلاء ذريتك فإذا كل إنسان مكتوب بين عينيه عمره فأذا فيهم رجل أضوؤهم قال يا رب من هذا قال هذا ابنك داود قد كتبت له عمرا أربعين سنة قال يا رب زده في عمره قال ذلك الذي كتبت له قال اي رب فاني قد جعلت له من عمري ستين سنة قال أنت وذلك قال ثم اسكن الجنة ما شاء الله ثم اهبط منها فكان آدم عليه السلام يعد لنفسه قال فأتاه ملك الموت فقال له آدم قد عجلت قد كتبت إلى ألف سنة قال بلى ولكنك جعلت لأبنك داود ستين سنة فجحد فجحدت ذريته ونسي فنسيت ذريته قال فمن يومئذ أمر بالكتاب والشهود قال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وقد روى من غير وجه عن ابي هريرة قالوا فهذا صريح في أن آدم عليه السلام لم يخلق في دار البقاء التي لا يموت من دخلها وإنما خلق في دار الفناء التي جعل الله تعالى لها ولسكانها أجلا معلوما وفيها اسكن فإن قيل فإذا كان آدم عليه السلام قد علم أن له عمرا مقدرا وأجلا ينتهي إليه وإنه ليس من الخالدين فكيف لم يعلم كذب إبليس في قوله هل أدلك على شجرة الخلد وقوله أو تكونا من الخالدين فالجواب من وجهين أحدهما أن الخلد لا يستلزم الدوام والبقاء بل هو المكث

الطويل كما سيأتي الثاني أن إبليس لما حلف له وغره وأطعمه في الخلود نسي ما قدر له من عمره قالوا وأيضا فمن المعلوم الذي لا ينازع فيه مسلم أن الله سبحانه خلق آدم عليه السلام من تربة هذه الأرض وأخبر أنه خلقه من سلالة من طين وأنه خلقه من صلصال من حمأ مسنون فقيل هو الذي له صلصلة لبيسة وقيل هو الذي تغيرت رائحته من قولهم صل اللحم إذا تغير والحمأ الطين الأسود المتغير والمسنون المصبوب وهذه كلها أطوار للتراب الذي هو مبدؤه الأول كما أخبر عن أطوار خلق الذرية من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ولم يخبر سبحانه وتعالى أنه رفعه من الأرض إلى فوق السموات لا قبل التحليق ولا بعده فأين الدليل الدال على إصعاد مادته أو إصعاده هو بعد خلقه وهذا ما لا دليل لكم عليه ولا هو لازم من لوازم ما اخبر الله به وقالوا من المعلوم أن ما فوق السموات ليس بمكان للطين الأرضي المتغير الرائحة الذي قد انتن من تغيره وإنما محل هذه الأرض التي هي محل المتغيرات الفاسدات وأما ما فوق الأفلاك فلا يلحقه تغير ولا نتن ولا فساد ولا استحالة فهذا أمر لا يرتاب فيه العقلاء قالوا وقد قال الله تعالى وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ فأخبر سبحانه أن عطاء جنة الخلد غير مجذوذ قالوا فإذا جمع ما أخبر به سبحانه من أنه خلقه من الأرض وجعله خليفة في الأرض وإن إبليس وسوس إليه في مكانه الذي أسكنه فيه بعد ان أهبطه من السماء بامتناعه من السجود له وانه أخبر ملائكته أنه جاعل في الأرض خليفة وان دار الخلد دار جزاء وثواب على الامتحان والتكاليف وإنه لا لغو فيها ولا تأثيم ولا كذاب وأن من دخلها لا يخرج منها ولا ييأس ولا يحزن ولا يخاف ولا ينام وان الله حرمها على الكافرين وإبليس رأس الكفر فإذا جمع ذلك بعضه إلى بعض وفكر فيه المنصف الذي رفع له علم الدليل فشمر إليه بنفسه عن حضيض التقليد تبين له الصواب والله الموفق فلو لم يكن في المسألة إلا أن الجنة ليست دار تكليف وقد كلف الله سبحانه الأبوين بينهما عن الأكل من الشجرة فدل على أنها دار تكليف لا جزاء وخلد فهذا أيضا بعض ما احتجت به هذه الفرقة على قولها والله أعلم
 الباب الخامس في جواب أرباب هذا القول لأصحاب القول الأول قالوا أما
 قولكم إن قولنا هو الذي فطر الله عليه عباده بحيث لا يعرفون سواه فالمسألة سمعية لا تعرف إلا بأخبار الرسل ونحن وأنتم أنما تلقينا هذا من القرآن لا من

المعقول ولا من الفطرة فالمتبع فيه ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله ونحن نطالبكم بصاحب واحد أو تابع أو أثر صحيح او حسن بأنها جنة الخلد التي أعدها الله للمؤمنين بعينها ولن تجدوا إلى ذلك سبيلا وقد اوجدناكم من كلام السلف ما يدل على خلافه ولكن لما وردت الجنة مطلقة في هذه القصة ووافقت أسم الجنة التي اعدها الله لعباده في أطلاقها وبعض اوصافها فذهب كثير من الأوهام إلى أنها هي بعينها فإن أردتم بالفطرة هذا القدر لم يفدكم شيئا وإن أردتم أن الله فطر الخلق على ذلك كما فطرهم على حسن العدل وقبح الظلم وغير ذلك من الأمور الفطرية فدعوى باطلة ونحن إذا رجعنا إلى فطرنا لم نجد علمها بذلك كعلمها بوجوب الواجبات واستحالة المستحيلات وأما استدلالكم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه وقول آدم وهل أخرجكم منها إلا خطيئة أبيكم فأنما يدل على تأخر آدم عليه السلام عن الاستقباح للخطيئة التي قد تقدمت منه في دار الدنيا وأنه بسبب تلك الخطيئة حصل له الخروج من الجنة كما في اللفظ الآخر أني نهيت عن أكل الشجرة فأكلت منها فأين في هذا ما يدل على أنها جنة المأوى بمطابقة أو تضمن أو استلزام وكذلك قول موسى له أخرجتنا ونفسك من الجنة فإنه لم يقل له أخرجتنا من جنة الخلد وقولكم أنهم خرجوا إلى بساتين من جنس الجنة التي في الأرض فاسم الجنة وأن أطلق على تلك البساتين فبينها وبين جنة آدم ما لا يعلمه إلا الله وهي كالسجن بالنسبة إليها واشتراكهما في كونهما في الأرض لا ينفي تفاوتهما أعظم تفاوت في جميع الأشياء وأما استدلالكم بقوله تعالى وقلنا أهبطوا عقيب إخراجهم من الجنة فلفظ الهبوط لا يستلزم النزول من السماء إلى الأرض غايته أن يدل على النزول من مكان عال إلى أسفل منه وهذا غير منكر فإنها كانت جنة في أعلى الأرض فاهبطوا منها إلى الأرض وقد بينا أن الأمر كان لآدم عليه السلام وزوجه وعدوهما فلو كانت الجنة في السماء لما كان عدوهما متمكنا منها بعد اهباطه الأول لما أبى السجود لآدم عليه السلام فالآية أيضا من أظهر الحجج عليكم ولا تغني عنكم وجوه التعسفات والتكلفات التي قدرتموها وقد تقدمت وأما قوله تعالى ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين فهذا لا يدل على أنهم لم يكونوا قبل ذلك في الأرض فإن الأرض اسم جنس وكانوا في أعلاها وأطيبها وأفضلها في محل لا يدركهم فيه جوع ولا عرى ولا ظمأ ولا ضحى فاهبطوا إلى أرض يعرض فيها ذلك كله وفيها حياتهم وموتهم وخروجهم من القبور والجنة التي اسكناها لم تكن دار نصب ولا تعب ولا أذى والأرض التي اهبطوا إليها هي محل التعب

والنصب والأذى وأنواع المكاره وأما قولكم إنه سبحانه وتعالى وصفها بصفات لا تكون في الدنيا فجوابه أن تلك الصفات لا تكون في الأرض التي أهبطوا إليها فمن أين لكم أنها لا تكون في الأرض التي اهبطوا منها وأما قولكم إن آدم عليه السلام كان يعلم إن الدنيا منقضية فانية فلو كانت الجنة فيها لعلم كذب إبليس في قوله هل أدلك على شجرة الخلد فجوابه من وجهين أحدهما أن اللفظ أنما يدل على الخلد وهو أعم من الدوام الذي ى انقطاع له فإنه في اللغة المكث الطويل ومكث كل شيء بحسبه ومنه قولهم رجل مخلد إذا أسن وكبر ومنه قولهم لاثا في الصخور خوالد لطول بقائها بعد دروس الاطلال قال الارمادا هامدا دفعت % عنه الرياح خوالد الفحم   ونظير هذا أطلاقهم القديم على ما تقادم عهده وإن كان له أول كما قال تعالى كالعرجون القديم وإنك لفي ضلالك القديم وأفك قديم وقد أطلق تعالى الخلود في النار على عذاب بعض العصاة كقاتل النفس واطلقه النبي على قاتل نفسه   الوجه الثاني أن العلم بانقطاع الدنيا ومجئ الآخرة أنما يعلم الوحي ولم يتقدم لآدم عليه الصلاة والسلام نبوة يعلم بها ذلك وهو وأن نباه الله سبحانه وتعالى وأوحى إليه وأنزل عليه صحفا كما في حديث أبي ذر لكن هذا بعد اهباطه إلى الأرض بنص القرآن قال تعالى اهبطوا منها جميعا فاما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى وكذلك في سورة البقرة قلنا أهبطوا منها جميعا فأما يأتينكم مني هدى الآية   وإما قولكم أن الجنة وردت معرفة باللام التي للعهد فتنصرف إلى جنة الخلد فقد وردت معرفة باللام غير مراد بها جنة الخلد قطعا كقوله تعالى إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ اقسموا ليصرمنها مصبحين وقولكم أن السياق ها هنا دل على أنها جنة في الأرض قلنا والأدلة التي ذكرناها دلت على أن جنة آدم عليه السلام في الأرض فلذلك صرنا إلى موجبها إذ لا يجوز تعطيل دلالة الدليل الصحيح   وإما استدلالكم بأثر أبي موسى أن الله أخرج آدم عليه السلام من الجنة وزوده من ثمارها فليس فيه زيادة على ما دل عليه القرآن إلا تزوده منها وهذا لا يقتضي أن تكون جنة الخلد   وقولكم أن هذه تتغير وتلك لا تتغير فمن أين لكم أن الجنة التي اسكنها آدم كان التغير يعرض لثمارها كما يعرض لهذه الثمار وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي أنه قال لولا بنو إسرائيل لم يخبز اللحم أي لم يتغير ولم ينتن وقد أبقى سبحانه وتعالى

في هذا العالم طعام العزير وشرابه مائة سنة لم يتغير   وأما قولكم أن الله سبحانه وتعالى ضمن لآدم عليه السلام أن تاب أن يعيده إلى الجنة فلا ريب أن الأمر كذلك ولكن ليس يعلم أن الضمان إنما يتناول عوده إلى تلك الجنة بعينها بل إذا أعاده إلى جنة الخلد فقد وفى سبحانه بضمانه حق الوفاء ولفظ العود لا يستلزم الرجوع إلى عين الحالة الأولى ولا زمانها ولا مكانها بل ولا إلى نظيرها كما قال شعيب لقومه قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وقد جعل الله سبحانه المظاهر عائدا بإرادته الوطء ثانيا أو بنفس الوطء أو بالإمساك وكل منها غير الأول لا عينه فهذا ما أجابت به هذه الطائفة لمن نازعها
 الباب السادس في جواب من زعم أنها جنة الخلد عما احتج به منازعوهم
   قالوا أما قولكم إن الله سبحانه أخبر أن جنة الخلد إنما يقع الدخول إليها يوم القيامة ولم يأت زمن دخولها بعد فهذا حق في الدخول المطلق الذي هو دخول استقرار ودوام وأما الدخول العارض فيقع قبل يوم القيامة وقد دخل النبي الجنة ليلة الإسراء وأرواح المؤمنين والشهداء في البرزخ في الجنة وهذا غير الدخول الذي اخبر الله به في يوم القيامة فدخول الخلود إنما يكون يوم القيامة فمن أين لكم أن مطلق الدخول لا يكون في الدنيا وبهذا خرج الجواب عن استدلالكم بكونها دار المقامة ودار الخلد قالوا وأما احتجاجكم بسائر الوجوه التي ذكرتموها في الجنة وأنها لم توجد في جنة آدم عليه السلام من العرى والنصب والحزن واللغو والكذب وغيرها فهذا كله حق لا ننكره نحن ولا أحد من أهل الإسلام ولكن هذا إذا دخلها المؤمنون يوم القيامة كما يدل عليه سياق الآيات كلها فإن نفي ذلك مقرون بدخول المؤمنين إياها وهذا لا ينفي أن يكون فيها بين أبوي الثقلين ما حكاه الله سبحانه وتعالى من ذلك ثم يصير الأمر عند دخول المؤمنين إياها إلى ما أخبر الله عنها فلا تنافي بين الأمرين وأما قولكم أنها دار جزاء وثواب لا دار تكليف وقد كلف الله سبحانه آدم بالنهي عن الأكل من تلك الشجرة فدل على أن تلك الجنة دار تكليف لا دار خلود فجوابه من وجهين   أحدهما أنه إنما تمتنع أن تكون دار تكليف إذا دخلها المؤمنين يوم القيامة فحينئذ ينقطع التكليف واما وقوع التكليف فيها دار الدنيا فلا دليل على

امتناعه البتة كيف وقد ثبت عن النبي أنه قال دخلت البارحة الجنة فرأيت امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت لمن أنت الحديث وغيره ممتنع أن يكون فيها من يعمل بأمر الله ويعبد الله قبل يوم القيامة بل هذا هو الواقع فإن من فيها الآن مؤتمرون بأوامر من قبل ربهم لا يتعدونها سواء سمى ذلك تكليفا أو لم يسم   الوجه الثاني أن التكليف لم يكن بالأعمال التي يكلف بها الناس في الدنيا من الصيام والصلاة والجهاد ونحوها وإنما كان حجرا عليهما في شجرة واحدة من جملة أشجارها إما واحدة بالعين أو بالنوع وهذا القدر لا يمتنع وقوعه في دار الخلد كما أن كل واحد محجور عليه أن يقرب أهل غيره فيها فإن أردتم بكونها ليست دار تكليف امتناع وقوع مثل هذا فيها في وقت من الأوقات فلا دليل عليه وإن أردتم أن تكاليف الدنيا منتفعة عنها فهو حق ولكن لا يدل على مطلوبكم   وأما استدلالكم بنوم آدم فيها والجنة لا ينام أهلها   فهذا أن ثبت النقل بنوم آدم فإنما ينفي النوم عن أهلها يوم دخول الخلود حيث لا يموتون وأما قبل ذلك فلا   وأما استدلالكم بقصة وسوسة إبليس له بعد اهباطه وإخراجه من السماء فلعمر الله أنه لمن أقوى الأدلة وأظهرها على صحة قولكم وتلك التعسفات لدخوله الجنة وصعوده إلى السماء بعد اهباط الله له منها لا يرتضيها منصف ولكن لا يمتنع أن يصعد ألى هنالك صعودا عارضا لتمام الابتلاء والامتحان الذي قدره الله تعالى وقد أسبابه وإن لم يكن ذلك المكان مقعدا له مستقرا كما كان وقد اخبر الله سبحانه عن الشياطين أنهم كانوا قبل مبعث رسول الله يقعدون من السماء مقاعد للسمع فيستمعون الشيء من الوحي وهذا صعود إلى هناك ولكنه صعود عارض لا يستقرون في المكان الذي يصعدون إليه مع قوله تعالى اهبطوا بعضكم لبعض عدو فلا تنافي بين هذا الصعود وبين الأمر بالهبوط فهذا محتمل والله اعلم   وأما استدلالكم بأن الله سبحانه أعلم آدم عليه السلام مقدار أجله وما ذكرتم من الحديث وتقرير الدلالة منه فجوابه أن إعلامه بذلك لا ينافي إدخاله جنة الخلد وإسكانه فيها مدة   وأما أخباره سبحانه إن داخلها لا يموت وإنه لا يخرج منها فهذا يوم القيامة   وأما احتجاجكم بكونه خلق من الأرض فلا ريب في ذلك ولكن من أين لكم أنه كمل خلقه فيها وقد جاء في بعض الآثار أن الله

سبحانه ألقاه على باب الجنة أربعين صباحا فجعل إبليس يطوف به ويقول لأمر ما خلقت فلما رآه أجوف علم أنه خلق لا يتمالك فقال لئن سلطت عليه لأهلكنه ولئن سلط على لا عصينه مع أن قوله سبحانه وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم اقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض يدل على أنه كان معهم في السماء حيث أنبأهم بتلك الأسماء وإلا فهم لم ينزلوا كلهم إلى الأرض حتى سمعوا منه ذلك ولو كان خلقه قد كمل في الأرض لم يمتنع أن يصعده سبحانه الى السماء لأمر دبره وقدره ثم يعيده إلى الأرض فقد اصعد المسيح إلى السماء ثم ينزله إلى الأرض قبل يوم القيامة وقد اسرى ببدن رسول الله وروحه إلى فوق السموات فهذا جواب القائلين بأنها جنة الخلد لمنازعيهم والله أعلم
 الباب السابع في ذكر شبه من زعم أن الجنة لم تخلق بعد قالوا لو
 كانت الجنة مخلوقة الآن لوجب اضطرار أن تفنى يوم القيامة وأن يهلك كل ما فيها ويموت لقوله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه و كل نفس ذائقة الموت فتموت الحور العين التي فيها والولدان وقد أخبر سبحانه أن الدار دار خلود ومن فيها مخلدون لا يموتون فيها وخبره سبحانه لا يجوز عليه خلف ولا نسخ   قالوا وقد روى الترمذي في جامعه من حديث أبن مسعود قال قال رسول الله لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال يا محمد أقريء أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر قال هذا حديث حسن غريب   وفيه أيضا من حديث أبي الزبير عن جابر عن النبي أنه قال من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة قال هذا حديث حسن صحيح   قالوا فلو كانت الجنة مخلوقة مفروغا منها لم تكن قيعانا ولم يكن لهذا الغرس معنى   قالوا وقد قال تعالى عن امرأة فرعون إنها قالت رب إبني لي عندك بيتا في الجنة ومحال أن يقول قائل لمن نسج له ثوبا أو بنى له بيتا انسج لي ثوبا وأبن لي بيتا وأصرح من هذا قول النبي من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة متفق عليه وهذه جملة مركبة من شرط وجزاء تقتضي وقوع الجزاء بعد الشرط باع جمأ

أهل العربية وهذا ثابت عن النبي من رواية عثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعمرو بن عنبسة قالوا وقد جاءت آثار بأن الملائكة تغرس فيها وتبني للعبد ما دام يعمل فإذا فتر فتر الملك عن العمل   قالوا وقد روى ابن حبان في صحيحه والأمام أحمد في مسنده من حديث أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله إذا قبض الله ولد العبد قال يا ملك الموت قبضت ولد عبدي قبضت قرة عينه وثمرة فؤاده قال نعم قال فما قال قال حمدك واسترجع قال إبنوا له بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد وفي المسند من حديثه أيضا قال قال رسول الله من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة سوى الفريضة بنى الله له بيتا في الجنة قالوا وليس هذا من أقوال أهل البدع والاعتزال كما زعمتم فهذا ابن مزين قد ذكر في تفسيره عن ابن نافع وهو من أئمة السنة أنه سئل عن الجنة أمخلوقة هي فقال السكوت عن هذا أفضل والله أعلم
 الباب الثامن في الجواب عما احتجت به هذه الطائفة قد تقدم في الباب
 الأول من ذكر الأدلة الدالة على وجود الجنة الآن ما فيه كفاية فنقول ما تعنون بقولكم إن الجنة لم تخلق بعد أتريدون أنها الآن عدم محض لم تدخل إلى الوجود بعد بل هي بمنزلة النفخ في الصور وقيام الناس من القبور فهذا قول باطل يرده المعلوم بالضرورة من الأحاديث الصريحة الصحيحة التي تقدم بعضها وسيأتي بعضها وهذا قول لم يقله أحد من السلف ولا أهل السنة وهو باطل قطعا   أم تريدون أنها لم تخلق بكمالها وجميع ما اعد الله فيها لأهلها وأنها لا يزال الله يحدث فيها شيئا بعد شيء وإذا دخلها المؤمنون أحدث الله فيها عند دخولهم أمورا أخر فهذا حق لا يمكن رده وادلتكم هذه إنما دلت على هذا القدر وحديث ابن مسعود الذي ذكرتموه وحديث أبي الزبير عن جابر صريحان في أن أرضها مخلوقة وأن الذكر ينشىء الله سبحانه لقائله منه غراسا في تلك الأرض وكذا بناء البيوت فيها بالأعمال المذكورة والعبد كلما وسع في أعمال البر وسع له في الجنة وكلما عمل خيرا غرس له به هناك غراس وبنى له بناء وأنشيء له من عمله أنواع مما يتمتع به فهذا القدر لا يدل على إن الجنة لم تخلق بعد ولا يسوغ اطلاق ذلك وأما احتجاجكم بقوله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه فإنما أتيتم من عدم فهمكم معنى الآية واحتجاجكم بها على عدم وجود الجنة والنار الآن نظيرا احتجاج إخوانكم بها على فنائهما

وخرابهما وموت أهلهما فلا انتم وفقتم لفهم معناها ولا إخوانكم وإنما وفق لفهم معناها السلف وأئمة الإسلام ونحن نذكر بعض كلامهم في الآية قال البخاري في صحيحه يقال كل شيء هالك إلا وجهه إلا ملكه ويقال إلا ما أريد به وجهه وقال الأمام أحمد في رواية ابنه عبد الله فأما السماء والأرض فقد زالتا لأن أهلهما صاروا إلى الجنة وإلى النار وأما العرش فلا يبيد ولا يذهب لأنه سقف الجنة والله سبحانه وتعالى عليه فلا يهلك ولا يبيد وأما قوله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه فذلك أن الله سبحانه وتعالى أنزل كل من عليها فان فقالت الملائكة هلك أهل الأرض وطمعوا في البقاء فأخبر الله تعالى عن أهل السموات وأهل الأرض أنهم يموتون فقال كل شيء هالك يعني ميت إلا وجهه لأنه حي لا يموت فأيقنت الملائكة عند ذلك بالموت انتهى كلامه وقال في رواية أبي العباس أحمد بن جعفر ابن يعقوب الاصطخري ذكره أبو الحسين في كتاب الطبقات قال قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بعروتها المعروفين بها والمقتدى بهم فيها من لدن أصحاب نبينا إلى يومنا هذا وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مخالف مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق وساق أقوالهم إلى ان قال وقد خلقت الجنة وما فيها وخلقت النار وما فيها و خلقهما الله عز وجل وخلق الخلق لهما ولا يفنيان ولا يفنى ما فيهما أبدا فإن احتج مبتدع أو زنديق بقول الله عز وجل كل شيء هالك إلا وجهه وبنحو هذا من متشابه القرآن قيل له كل شيء مما كتب الله عليه الفناء والهلاك هالك والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء ولا للهلاك وهما من الآخرة لا من الدنيا والحور العين لا يمتن عند قيام الساعة ولا عند النفخة ولا أبدا لأن الله عز وجل خلقهن للبقاء لا للفناء ولم يكتب عليهن الموت فمن قال خلاف هذا فهو مبتدع وقد ضل عن سواء السبيل وخلق سبع سموات بعضها فوق بعض وسبع أرضين بعضها أسفل من بعض وبين الأرض العليا والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام والماء فوق السماء العليا السابعة وعرش الرحمن عز وجل فوق الماء وأن الله عز وجل على العرش والكرسي موضع قدميه وهو يعلم ما في السموات والأرضين السبع وما بينهما وما تحت الثرى وما في قعر البحر ومنبت كل

شعرة وشجرة وكل زرع وكل نبات ومسقط كل ورقة وعدد كل كلمة وعدد الحصا والتراب والرمل ومثاقيل الجبال و أعمال العباد وآثارهم وكلامهم وأنفاسهم ويعلم كل شيء لا يخفى عليه من ذلك شيء وهو على العرش فوق السماء السابعة ودونه حجب من نار ونور وظلمة وما هو أعلم بها فإن احتج مبتدع ومخالف بقول الله عز وجل ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وقوله وهو معكم أينما كنتم وقوله إلا هو معهم أينما كانوا وقوله ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ونحو هذا من متشابه القرآن فقل إنما يعني بذلك العلم لأن الله عز وجل على العرش فوق السماء السابعة العليا يعلم ذلك كله وهو بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان وقال في رواية أبي جعفر الطائي محمد بن عوف بن سفيان الحمصي قال الخلال حافظ أمام في زمانه معروف بالتقدم في العلم والمعرفة كان أحمد بن حنبل يعرف له ذلك ويقبل منه ويسأله عن الرجال من أهل بلده قال أملي على احمد بن حنبل فذكر رسالة في السنة ثم قال في اثنائها وأن الجنة والنار مخلوقتان قد خلقتا كما جاء الخبر قال النبي صلى دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا ورأيت الكوثر واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها كذا وكذا فمن زعم أنهما لم يخلقا فهو مكذب برسول الله وبالقرآن كافر بالجنة والنار يستتاب فإن تاب وإلا قتل   وقال في رواية عبندوس بن مالك العطار وذكر رسالة في السنة قال فيها والجنة والنار مخلوقتان قد خلقتا كما جاء عن رسول الله أطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها كذا وكذا وأطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها كذا وكذا فمن زعم أنهما لم يخلقا فهو مكذب بالقرآن وأحاديث رسول الله ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار فتأمل هذه الأبواب وما تضمنته من النقول والمباحث والنكت والفوائد التي لا تظفر بها في غير هذا الكتاب البتة ونحن اختصرنا الكلام في ذلك ولو بسطناه لقام منه سفر ضخم والله المستعان وعليه التكلان وهو الموفق للصواب
 الباب التاسع في ذكر عدد أبواب الجنة قال الله تعالى
 وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين

وقال في صفة النار حتى إذا جاؤها فتحت أبوابها بغير واو فقالت طائفة هذه واو الثمانية دخلت في أبواب الجنة لكونها ثمانية وأبواب النار سبعة فلم تدخلها الواو وهذا قول ضعيف لا دليل عليه ولا تعرفه العرب ولا أئمة العربية وإنما هو من استنباط بعض المتأخرين وقالت طائفة أخرى الواو زائدة والجواب الفعل الذي بعدها كما هو في الآية الثانية وهذا أيضا ضعيف فإن زيادة الواو غير معروف في كلامهم ولا يليق بأفصح الكلام أن يكون فيه حرف زائد لغير معنى ولا فائدة وقالت طائفة ثالثة الجواب محذوف وقوله وفتحت أبوابها عطف على قوله جاؤها وهذا اختيار أبي عبيدة والمبرد والزجاج وغيرهم قال المبرد وحذف الجواب أبلغ عند أهل العلم قال أبو الفتح بن جني وأصحابنا يدفعون زيادة الواو ولا يجيزونه ويرون أن الجواب محذوف للعلم به   بقي أن يقال فما السر في حذف الجواب في آية أهل الجنة وذكره في آية أهل النار فيقال هذا ابلغ في الموضعين فإن الملائكة تسوق أهل النار إليها وأبوابها مغلقة حتى إذا وصلوا إليها فتحت في وجوههم فيفجأهم العذاب بغتة فحين انتهوا إليها فتحت أبوابها بلا مهلة فإن هذا شأن الجزاء المرتب على الشرط أن يكون عقيبه فإنها دار الإهانة والخزى فلم يستأذن لهم في دخولها ويطلب إلى خزنتها أن يمكنوهم من الدخول وأما الجنة فإنها دار الله ودار كرامته ومحل خواصه وأوليائه فإذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها مغلقة فيرغبون إلى صاحبها ومالكها أن يفتحها لهم ويستشفعون إليه بأولي العزم من رسله وكلهم يتأخر عن ذلك حتى تقع الدلالة على خاتمهم وسيدهم وأفضلهم فيقول أنا لها فيأتي إلى تحت العرش ويخر ساجدا لربه فيدعه ما شاء الله أن يدعه ثم يأذن له في رفع رأسه وان يسأله حاجته فيشفع إليه سبحانه في فتح ابوابها فيشفعه ويفتحها تعظيما لخطرها وأظهارا لمنزلة رسوله وكرامته عليه وإن مثل هذه الدار هي دار ملك الملوك ورب العالمين إنما يدخل إليها بعد تلك الأهوال العظيمة التي اولها من حين عقل العبد في هذه الدار إلى ان انتهى إليها وما ركبه من الأطباق طبقا بعد طبق وقاساه من الشدائد شدة بعد شدة حتى أذن الله تعالى لخاتم أنبيائه ورسله وأحب خلقه إليه أن يشفع إليه في فتحها لهم وهذا أبلغ وأعظم في تمام النعمة وحصول الفرح والسرور مما يقدر بخلاف ذلك لئلا يتوهم الجاهل أنها بمنزلة الخان الذي يدخله من شاء فجنة الله غالية بين الناس وبينها من العقبات والمفاوز والأخطار مالا تنال إلا به فما لمن أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ولهذه الدار فليعد

عنها إلى ما هو أولى به وقد خلق له وهيئ له وتأمل ما في سوق الفريقين إلى الدارين زمرا من فرحة هؤلاء بإخوانهم وسيرهم معهم كل زمرة على حده كل مشتركين في عمل متصاحبين فيه على زمرتهم وجماعتهم مستبشرين أقوياء القلوب كما كانوا في الدنيا وقت اجتماعهم على الخير كذلك يؤنس بعضهم بعضا ويفرح بعضهم ببعض وكذلك أصحاب الدار الأخرى يساقون إليها زمرا يلعن بعضهم بعضا ويتأذى بعضهم ببعض وذلك أبلغ في الخزى والفضيحة والهتيكة من أن يساقوا واحدا واحدا فلا تهمل تدبر قوله زمرا وقال خزنة أهل الجنة لأهلها سلام عليكم فبدؤهم بالسلام المتضمن للسلامة من كل شر ومكروه أي سلمتم فلا يلحقكم بعد اليوم ما تكرهون ثم قال لهم طبتم فادخلوها خالدين أي سلامتكم ودخولها بطيبكم فإن الله حرمها إلا على الطيبين فبشروهم بالسلامة والطيب والدخول والخلود وأما أهل النار فإنهم لما انتهوا إليها على تلك الحال من الهم والغم والحزن وفتحت لهم أبوابها وقفوا عليها وزيدوا على ما هم عليه توبيخ خزنتها وتكبيتهم لهم بقولهم ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا فاعترفوا وقالوا بلى فبشروهم بدخولها والخلود فيها وإنها بئس المثوى لهم وتأمل قول خزنة الجنة لأهلها أدخلوها وقول خزنة النار لأهلها أدخلوا أبواب جهنم تجد تحته سرا لطيفا ومعنى بديعا لا يخفى على المتأمل وهو أنها لما كانت دار العقوبة وأبوابها أفظع شيء وأشده حرا وأعظمه عما يستقبل فيها الداخل من العذاب ما هو أشد منها ويدنوا من الغم والخزي والحزن والكرب بدخول الأبواب فقيل ادخلوا أبوابها صغارا لهم وأذلالا وخزيا ثم قيل لهم لا يقتصر بكم على مجرد دخول الأبواب الفظيعة ولكن وراءها الخلود في النار وأما الجنة فهي دار الكرامة والمنزل الذي أعده الله لأوليائه فبشروا من أول وهلة بالدخول إلى المقاعد والمنازل والخلود فيها وتأمل قوله سبحانه جنات عدن مفتحة لهم الأبواب متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب كيف تجد تحته معنى بديعا وهو أنهم إذا دخلوا الجنة لم تغلق أبوابها عليهم بل تبقى مفتحة كما هي وأما النار فإذا دخلها أهلها أغلقت عليهم أبوابها كما قال تعالى ^ إنها عليهم مؤصدة ^ أي مطبقة ومنه سمي الباب وصيدا وهي مؤصدة في عمد ممددة قد جعلت العمد ممسكة للأبواب من خلفها كالحجر العظيم الذي يجعل خلف الباب

قال مقاتل يعني أبوابها عليهم مطبقة فلا يفتح لها باب ولا يخرج منها غم ولا يدخل فيها روح آخر الأبد وأيضا فإن في تفتيح الأبواب لهم إشارة إلى تصرفهم وذهابهم وإيابهم وتبوئهم في الجنة حيث شاؤا ودخول الملائكة عليهم كل وقت بالتحف والألطاف من ربهم ودخول ما يسرهم عليهم كل وقت وأيضا إشارة إلى أنها دار أمن لا يحتاجون فيها إلى غلق الأبواب كما كانوا يحتجون إلى ذلك في الدنيا وقد اختلف أهل العربية في الضمير العائد من الصفة على الموصوف في هذه الجملة فقال الكوفيون التقدير مفتحة لهم أبوابها والعرب تعاقت بين الألف واللام والإضافة فيقولون مررت برجل حسن العين أي عينه ومنه قوله تعالى ^ فإن الجحيم هي المأوى ^ أي مأواه وقال بعض البصريين التقدير مفتحة لهم الأبواب منها فحذف الضمير وما اتصل به وقال هذا التقدير في العربية أجود من أن يجعل الألف واللام بدلا من الهاء والألف لأن معنى الألف واللام ليس من معنى الهاء والألف في شيء لأن الهاء والألف أسم والألف واللام دخلتا للتعريف ولا يبدل حرف من اسم ولا ينوب عنه قالوا وأيضا لو كانت الألف واللام بدلا من الضمير لوجب أن يكون في مفتحة ضمير الجنات ويكون معنى مفتحة هي ثم أبدل منها الأبواب ولو كان كذلك لوجب نصب الأبواب لكون مفتحة قد رفع ضمير الفاعل فلا يجوز أن يرفع به اسم آخر لامتناع ارتفاع فاعلين بفعل واحد فلما ارتفع الأبواب دل على أن مفتحة خال من ضمير والأبواب مرتفعة به وإذا كان في الصفة ضمير تعين نصب الثاني كما تقول مررت برجل حسن الوجه ولو رفعت الوجه ونونت حسنا لم يجز فالألف واللام إذا للتعريف ليس إلا فلا بد من ضمير يعود على الموصوف الذي هو جنات عدن ولا ضمير في اللفظ فهو محذوف تقديره الأبواب منها وعندي أن هذا غير مبطل لقول الكوفيين فإنهم لم يريدوا بالبدل إلا أن الألف واللام خلف وعوض عن الضمير تغني عنه وإجماع العرب على قولهم حسن الوجه وحسن وجهه شاهد بذلك وقد قالوا أن التنوين بدل من الألف واللام بمعنى أنهما لا يجتمعان وكذلك المضاف إليه يكون بدلا من التنوين والتنوين بدل من الإضافة بمعنى التعاقب والتوارد ولا يريدون بقولهم هذا بدل من هذا أن معنى البدل معنى المبدل منه بل قد يكون في كل منهما معنى لا يكون في الآخر فالكوفيون أرادوا أن الألف واللام في الأبواب أغنت عن الضمير لو قيل أبوابها وهذا صحيح

فإن المقصود الربط بن الصفة والموصوف بأمر يجعلها له لا مستقلة فلما كان الضمير عائدا على الموصوف نفي توهم الاستقلال وكذلك لام التعريف فإن كلا من الضمير واللام يعين صاحبه هذا بعين مفسرة وهذا يعين ما دخل عليه وقد قالوا في زيد نعم الرجل إن الألف واللام اغنت عن الضمير والله أعلم وقد أعرب الزمخشري هذه الآية أعرابا اعترض عليه فيه فقال جنات عدن معرفة كقوله ^ جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب ^ وانتصابها على أنها عطف بيان لحسن مآب ومفتحة حال والعامل فيها ما في المتقين من معنى الفعل وفي مفتحة ضمير الجنات والأبواب بدل من الضمير تقديره مفتحة هي الأبواب كقولهم ضرب زيد اليد والرجل وهو من بدل الاشتمال هذا إعرابه فاعترض عليه بأن جنات عدن ليس فيها ما يقتضي تعريفها وأما قوله التي وعد الرحمن عباده فبدل لا صفة وبأن جنات عدن لا يسهل أن تكون عطف بيان لحسن مآب على قوله لأن جريان المعرفة على النكرة عطف بيان لا قائل به فإن القائل قائلان أحدهما أنه لا يكون إلا في المعارف كقول البصريين والثاني أنه يكون في المعارف والنكرات بشرط المطابقة كقول الكوفيين وأبي على الفارسي وقوله أن في مفتحة ضمير الجنات فالظاهر خلافه وأن الأبواب مرتفع به ولا ضمير فيه وقوله أن الأبواب بدل اشتمال فبدل الاشتمال قد صرح هو وغيره أنه لا بد فيه من الضمير وأن نازعهم فيه آخرون ولكن يجوز أن يكون الضمير ملفوظا به وأن يكون مقدرا وهنا لم يلفظ به فلا بد من تقديره أي الأبواب منها فإذا كان التقدير مفتحة لهم هي الأبواب منها كان فيه تكثير للإضمار وتقليله أولى وفي الصحيحين من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله قال في الجنة ثمانية أبواب باب منها يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون وفي الصحيحين من حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله من أنفق زوجين في شيء من الأشياء في سبيل الله دعى من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعى من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعى من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعى من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان فقال أبو بكر بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل

يدعى أحد من تلك الأبواب كلها فقال نعم وأرجوا أن تكون منهم وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب عن النبي قال ما منكم من أحد يتوضأ فيبالغ او فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء زاد الترمذي بعد التشهد اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين زاد أبو داود والأمام أحمد ثم رفع نظره إلى السماء فقال وعند الأمام أحمد من رواية أنس يرفعه من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال ثلاث مرات اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتح له أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل وعن عتبة بن عبد الله السلمي قال سمعت رسول الله يقول ما من مسلم يتوفى له ثلاثا من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل رواه ابن ماجه وعبد الله بن أحمد عن ابن نمير ثنا إسحق بن سليمان ثنا جرير بن عثمان عن شرحبيل بن شفعة عن عتبة
 الباب العاشر في ذكر سعة أبوابها عن أبي هريرة قال وضعت بين يدي رسول
 الله قصعة من ثريد ولحم فتناول الذراع وكان أحب الشاة إليه فنهش نهشة وقال أنا سيد الناس يوم القيامة ثم نهش أخرى وقال أنا سيد الناس يوم القيامة فلما رأى أصحابه لا يسألونه قال ألا تقولون كيف قالوا كيف يا رسول الله قال يقوم الناس لرب العالمين فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر فذكر حديث الشفاعة بطوله وقال في آخره فانطلق فأتى تحت العرش فاقع ساجدا لربي فيقيمني رب العالمين مقاما لم يقمه أحدا قبلي ولن يقيمه أحد بعدي فأقول يا رب أمتي أمتي فيقول يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصارع الجنة لكما بين مكة وهجرا وهجر ومكة وفي لفظ لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى متفق على صحته وفي لفظ خارج الصحيح بإسناده إن ما بين عضادتي الباب لكما بين مكة وهجر وعن خالد بن عمير العدوي قال خطبنا عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه

ثم قال أما بعد فإن الدنيا قد أذنت بصرم وولت حذاء ولم يبق منها الإصبابة كصبابة الأناء يصطبها صاحبها وإنكم منقلبون منها إلى دار لا زوال لها فانقلبوا بخير ما بحضرتكم ولقد ذكر لنا أن مصراعين من مصاريع الجنة بينهما مسيرة أربعين سنة وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام فهذا موقوف والذي قبله مرفوع فإن كان رسول الله هو الذاكر له كان هذا ما بين باب من أبوابها ولعله الباب الأعظم وإن كان الذاكر ذلك غير رسول الله لم يقدم على حديث أبي هريرة المتقدم ولكن قد روى الأمام أحمد في مسنده من طريق حماد بن سلمة الجريري يحدث عن حكيم بن معاوية عن أبيه أن رسول الله قال أنتم موقوفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله وما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاما وليأتين عليه يوم وله كظيظ وقد رواه أبن أبي داود أنبأنا إسحاق بن شاهين أنبأنا خالد عن الجريري عن حكيم بن معاوية عن أبيه يرفعه ما بين كل مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة سبع سنين وروينا في مسند عبد بن حميد أنبأنا الحسن بن موسى أنبأنا ابن لهيعة أنبأنا دراج أبو السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله قال ما من مصراعين في الجنة لمسيرة أربعين سنة وحديث أبي هريرة أصح وهذه النسخة ضعيفة والله أعلم   وروى أبو الشيخ أنبأنا جعفر بن أحمد بن فارس أنبأنا يعقوب بن حميد أنبأنا معن حدثنا خالد بن أبي بكر عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن النبي قال الباب الذي يدخل منه أهل الجنة مسيرة الراكب المجد ثلاثا ثم انهم ليضطغطون عليه حتى تكاد مناكبهم تزول رواه أبو نعيم عنه وهذا مطابق للحديث المتفق عليه إن ما بين المصراعين كما بين مكة وبصرى فإن الراكب المجد غاية الإجادة على أسرع هجين لا يفتر ليلا ولا نهارا يقطع هذه المسافة في هذا القدر أو قريب منه وأما حديث حكيم بن معاوية فقد اضطرب رواته فحماد بن سلمة ذكر عن الجريري التقدير بإربعين عاما وخالد ذكر عنه التقدير بسبع سنين وحديث أبي سعيد المرفوع فيه التقدير بأربعين عاما على طريقة دراج عن أبي الهيثم قال الأمام أحمد أحاديث دراج مناكير وقال أبو حاتم الرازي

+ ضعيف + وقال النسائي + ليس بالقوي + فالصحيح المرفوع السالم عن الأضطراب والشذوذ والعلة حديث أبي هريرة المتفق على صحته على ان حديث حكيم بن معاوية ليس التقدير فيه بظاهر الرفع ويحتمل أنه مدرج في الحديث موقوف فيكون كحديث عتبة بن غزوان
 الباب الحادي عشر في صفة أبوابها وأنها ذات حلق روى الوليد بن مسلم عن
 خليد عن الحسن مفتحة أبوابها قال أبواب ترى وذكرا أيضا عن خليد عن قتادة قال أبواب يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها تتكلم وتكلم وتفهم ما يقال لها انفتحي انغلقي   وقال أبو الشيخ أنبأنا محمد بن عبد الله بن محمد القيسي أنبأنا محمد بن إسحاق أنبأنا أحمد بن أبي الحواري أنبأنا عبد الله بن غياث عن الفزاري قال لكل مؤمن في الجنة أربعة أبواب فباب يدخل عليه منه زواره من الملائكة وباب يدخل عليه منه أزواجه من الحور العين وباب مقفل فيما بينه وبين أهل النار يفتحه إذا شاء ينظر إليهم لتعظم النعمة عليه وباب فيما بينه وبين دار السلام يدخل منه على ربه إذا شاء وقد روى سهيل بن أبي صالح عن زياد النمري عن أنس بن مالك قال قال رسول الله أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة ولا فخر وفي حديث الشفاعة الطويل من رواية ابن عيينة عن علي بن زيد عن انس قال قال رسول الله فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها وهذا صريح في أنها حلقة حسية تحرك وتقعقع وروى سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي قال آخذ بحلقة باب الجنة فيؤذن لي ويذكر عن علي رضي الله عنه من قال لا إله الله الملك الحق المبين في كل يوم مائة مرة كان له أمان من الفقر ومن وحشة القبر واستجلب به الغني واستقرع به باب الجنة فصل ولما كانت الجنات درجات بعضها فوق بعض كانت ابوابها كذلك وباب الجنة العالية فوق باب الجنة التي تحتها وكلما علت الجنة اتسعت فعاليها أوسع مما دونه وسعة الباب بحسب وسع الجنة ولعل هذا وجه الاختلاف الذي جاء في مسافة ما بين

مصراعي الباب فإن أبوابها بعضها أعلى من بعض   ولهذه الأمة باب مختص بهم يدخلون منه دون سائر الأمم كما في المسند من حديث أبن عمر عن النبي قال باب أمتي الذي يدخلون منه الجنة عرض مسيرة الراكب ثلاثا ثم انهم ليضظغطون حتى تكاد مناكبهم تزول وفيه من حديث أبي هريرة عن النبي أتاني جبريل فأخذ بيدي فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي الحديث وسياتي بتمامه إن شاء الله تعالى وقال خلف بن هشام البزار ثنا أبو شهاب عن عمرو بن قيس الملائي عن أبي إسحاق عن عاصم بن حمزة عن علي بن أبي طالب قال إن أبواب الجنة هكذا بعضها فوق بعض ثم قرا حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها إذا هم عندها بشجرة في اصلها عينان تجريان فيشربون من إحداهما فلا يترك في بطونهم قذى ولا أذى إلا رمته ويغتسلون من الأخرى فتجري عليهم نضرة النعيم فلا تشعث رؤسهم ولا تغير أبشارهم بعد هذا أبدا ثم قرأ ^ طبتم فادخلوها خالدين ^ فيدخل الرجل وهو يعرف منزله ويتلقاها الولدان فيستبشرون برؤيتهم كما يستبشر الأهل بالحميم يقدم من الغيبة فينطلقون إلى أزواجهم فيخبرونهم بمعاناتهم فنقول أنت رايته فيقوم إلى الباب فيدخل إلى بيته فيتكيء على سريره فينظر إلى أساس بيته فإذا هو قد أسس على اللؤلؤ ثم ينظر في أخضر واحمر واصفر ثم يرفع رأسه إلى سماء بيته فلولا أنه خلق له لا التمع بصره فيقول الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والله أعلم
 الباب الثاني عشر في ذكر مسافة ما بين الباب والباب روينا في معجم
 الطبراني أنبأنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة الزبيري وعبد الله بن الصقر السكري قالا أنبأنا إبراهيم بن المنذر الحرامي ثنا عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حرام حدثني عبد الرحمن بن عياش الأنصاري حدثنا دلهم بن الأسود بن عبد الله بن حاجب بن المنتفق   قال دلهم وحدثنيه أيضا أبو الأسود عن عاصم بن لقيط أن لقيط بن عامر أخرج وافد إلى الرسول قال قلت يا رسول الله فما الجنة والنار قال لعمر الهك أن للنار سبعة أبواب ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما وإن للجنة ثمانية أبواب ما منهن بابان إلا يسير

الراكب بينهما سبعين عاما وذكر الحديث بطولة وهذا الظاهر منه أن هذه المسافة بين الباب والباب لأن ما بين مكة وبصرى لا يحتمل التقدير بسبعين عاما ولا يمكن حمله على باب معين لقوله ما منهن بابان والله أعلم
 الباب الثالث عشر في مكان الجنة وأين هي قال الله تعالى
 ^ ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى ^ وقد ثبت أن سدرة المنتهى فوق السماء وسميت بذلك لأنها ينتهي إليها ما ينزل من عند الله فيقبض منها وما يصعد النية فيقبض منها وقال تعالى ^ وفي السماء رزقكم وما توعدون ^ قال ابن أبي نجيح عن مجاهد هو الجنة وكذلك تلقاه الناس عنه وقد ذكر ابن المنذر في تفسيره وغيره أيضا عن مجاهد قال هو الجنة والنار وهذا يحتاج إلى تفسير فإن النار في اسفل السافلين ليست في السماء ومعنى هذا ما قاله في رواية ابن أبي نجيح عنه وقاله أبو صالح عن ابن عباس الخير والشر كلاهما يأتي من السماء وعلى هذا فالمعنى أسباب الجنة والنار بقدر ثابت في السماء من عند الله   وقال الحارث بن أبي أسامة حدثنا عبد العزيز بن أبان حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب عن بشر بن شغاف قال سمعت عبد الله بن سلام يقول أن اكرم خليقة الله أبو القاسم وإن الجنة في السماء رواه ابو نعيم عنه قال ورواه معمر بن راشد عن محمد بن ابي يعقوب مرفوعا ثم ساقه من طريق ابن منيع قال ثنا عمرو والناقد ثنا عمرو بن عثمان ثنا موسى بن أعين عن معمر به مرفوعا ثم ساق من طريق محمد بن فضيل ثنا محمد بن عبد الله عن عطية عن أبن عباس أنه قال الجنة فوق السماء السابعة ويجعلها الله حيث شاء يوم القيامة وجهنم في الأرض السابعة وقال ابن منده ثنا أحمد بن إسحاق قال ثنا أبو أحمد الزبيري ثنا محمد بن عبد الله عن سلمة بن كهيل عن ابي الزعراء عن عبد الله قال الجنة في السماء الرابعة فإذا كان يوم القيامة جعلها الله حيث يشاء والنار في الأرض السابعة فأذا كان يوم القيامة جعلها الله حيث يشاء وقال مجاهد قلت لإبن عباس أين الجنة قال فوق سبع سموات قلت فأين النار قال تحت سبعة أبحر مطبقة رواه ابن منده عن احمد بن إسحاق عن الزبيري عن إسرائيل عن ابن أبي يحيى عن مجاهد   وأما الأثر

الذي رواه أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عيسى بن يونس عن نوير بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن عمرو قال الجنة مطوية معلقة بقرون الشمس تنشر كل عام مرة وأن أرواح المؤمنين في طير كالزرازير يتعارفون ويرزقون من ثمر الجنة فهذا قد يظهر منه التناقض بين أول كلامه وآخره ولا تناقض فيه فإن الجنة المعلقة بقرون الشمس ما يحدثه الله سبحانه وتعالى بالشمس في كل سنة مرة من أنواع الثمار والفواكه والنبات جعله الله تعالى مذكرا بتلك الجنة وآية دالة عليها كما جعل هذه النار مذكرة بتلك وإلا فالجنة التي عرضها السموات والأرض ليست معلقة بقرون الشمس وهي فوق الشمس أكبر منها وقد ثبت في الصحيحين عنه أنه قال الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض وهذا يدل على أنها في غاية العلو والارتفاع والله أعلم   والحديث له لفظان هذا أحدهما والثاني إن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض أعدها الله للمجاهدين في سبيله وشيخنا يرجع هذا اللفظ وهو لا ينفي أن يكون درج الجنة اكبر من ذلك ونظير هذا قوله في الحديث الصحيح إن لله تسعة وتسعين أسما من أحصاها دخل الجنة أي من جملة أسمائه هذا القدر فيكون الكلام جملة واحدة في الموضعين ويدل على صحة هذا أن منزلة نبينا فوق هذا كله في درجة في الجنة ليس فوقها درجة وتلك المائة ينالها آحاد أمته بالجهاد والجنة مقببة أعلاها وأوسعها ووسطها هو الفردوس وسقفه العرش كما قال في الحديث الصحيح إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة فوقه عرش الرحمن ومنه تفجر انهار الجنة قال شيخنا أبو الحجاج المري والصواب رواية من رواه وفوقه بضم القاف على انه أسم لا ظرف أي وسقفه عرش الرحمن فإن قيل فالجنة جميعها تحت العرش والعرش سقفها فإن الكرسي وسع السموات والأرض والعرش أكبر منه قيل لما كان العرش أقرب إلى الفردوس مما دونه من الجنات بحيث لا جنة فوقه دون العرش كان سقفا له دون ما تحته من الجنات ولعظم سعة الجنة وغاية ارتفاعها يكون الصعود من أدناها إلى أعلاها بالتدريج شيئا فشيئا درجة فوق درجة كما يقال لقاريء القرآن اقرأ وارق فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها وهذا يحتمل شيئين أن يكون منزلته عند آخر حفظه وأن تكون عند آخر تلاوته لمحفوظة والله أعلم


 الباب الرابع عشر في مفتاح الجنة قال الحسن بن عرفة ثنا إسماعيل بن
 عياش عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسن عن شهر بن حوشب عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله رواه الأمام أحمد في مسنده ولفظه مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله وذكر البخاري في صحيحه عن وهب بن منبه أنه قيل له أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله قال بلى ولكن ليس من مفتاح إلا وله أسنان فإن ثبت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح وروى أبو نعيم من حديث أبان عن انس قال قال أعرابي يا رسول الله ما مفتاح الجنة قال لا إله إلا الله وذكر أبو الشيخ من حديث الأعمش عن مجاهد عن يزيد بن سخيرة قال إن السيوف مفاتيح الجنة وفي المسند من حديث معاذ بن جبل قال قال رسول الله ألا أدلك على باب من أبواب الجنة قلت بلى قال لا حول ولا قوة إلا بالله وقد جعل الله سبحانه لكل مطلوب مفتاحا يفتح به فجعل مفتاح الصلاة الطهور كما قال مفتاح الصلاة الطهارة ومفتاح الحج الإحرام ومفتاح البر الصدق ومفتاح الجنة التوحيد ومفتاح العلم حسن السؤال حسن الإصغاء ومفتاح النصر والظفر الصبر ومفتاح المزيد الشكر ومفتاح الولاية المحبة والذكر ومفتاح الفلاح التقوى ومفتاح التوفيق الرغبة والرهبة ومفتاح الإجابة الدعاء ومفتاح الرغبة في الآخرة الزهد في الدنيا ومفتاح الإيمان التفكر فيما دعا الله عباده إلى التفكر فيه ومفتاح الدخول على الله إسلام القلب وسلامته له والإخلاص له في الحب والبغض والفعل والترك ومفتاح حياة القلب تدبر القرآن والتضرع بالأسحار وترك الذنوب ومفتاح حصول الرحمة الإحسان في عبادة الخالق والسعي في نفع عبيده ومفتاح الرزق السعي مع الاستغفار والتقوى ومفتاح العز طاعة الله ورسوله ومفتاح الاستعداد للآخرة قصر الأمل ومفتاح كل خير الرغبة في الله والدار الآخرة ومفتاح كل شر حب الدنيا وطول الأمل وهذا باب عظيم من انفع أبواب العلم وهو معرفة مفاتيح الخير والشر لا يوفق لمعرفته ومراعاته إلا من عظم حظه وتوفيقه فإن الله سبحانه وتعالى جعل لكل خير وشر مفتاحا وبابا يدخل منه إليه كما جعل

الشرك والكبر والأعراض عما بعث الله به رسوله والغفلة عن ذكره والقيام بحقه مفتاحا للنار وكما جعل الخمر مفتاح كل أثم وجعل الغنى مفتاح الزنا وجعل إطلاق النظر في الصور مفتاح الطلب والعشق وجعل الكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان وجعل المعاصي مفتاح الكفر وجعل الكذب مفتاح النفاق وجعل الشح والحرص مفتاح البخل وقطيعة الرحم وأخذ المال من غير حله وجعل الأعراض عما جاء به الرسول مفتاح كل بدعة وضلالة وهذه الأمور لا يصدق بها إلا كل من له بصيرة صحيحة وعقل يعرف به ما في نفسه وما في الوجود من الخير والشر فينبغي للعبد أن يعتني كل الإعتناء بمعرفة المفاتيح وما جعلت المفاتيح له والله ومن وراء توفيقه وعدله له الملك وله الحمد وله النعمة والفضل لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون
 الباب الخامس عشر في توقيع الجنة ومنشورها الذي يوقع به لأصحابها عند
 الموت وعند دخولها قال تعالى كلا إن كتاب الإبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون فأخبر الله تعالى أن كتابهم كتاب مرقوم تحقيقا لكونه مكتوبا كتابة حقيقية وخص تعالى كتاب الإبرار بإنه يكتب ويوقع لهم به بمشهد المقربين من الملائكة والنبيين وسادات المؤمنين ولم يذكر شهادة هؤلاء لكتاب الفجار تنويها بكتاب الأبرار وما وقع لهم به وإشهارا له وإظهارا بين خواص خلقه كما يكتب الملوك تواقيع من تعظمه بين الأمراء وخواص أهل المملكة تنويها بأسم المكتوب له وإشادة بذكره وهذا نوع من صلاة الله سبحانه وتعالى وملائكته على عبده وروى الأمام أحمد في مسنده وابن حبان وأبو عوانة الأسفرايني في صحيحهما من حديث المنهال عن زاذان عن البراء بن عازب قال خرجنا مع رسول الله إلى جنازة فجلس رسول الله على القبر وجلسنا حوله كأن على رؤسنا الطير وهو يلحد له فقال أعوذ بالله من عذاب القبر ثلاث مرات ثم قال إن المؤمن إذا كان في إقبال من الأخرة وانقطاع من الدنيا تنزلت إليه الملائكة كأن على وجوههم الشمس مع كل واحد منهم حنوط وكفن فجلسوا منه مد بصره ثم يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها

في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض قال فيصعدون بها فلا يمرون بها يعني على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب فيقولون فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم ويشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل فيقول الله عز وجل اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فأنى منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى قال فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقولان له ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله فيقولان له وما علمك فيقول قرات كتاب الله فآمنت به وصدقت قال فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة والبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسخ له في قبره مد بصره قال ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول رب أقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي قال وان العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الآخرة وإقبال على الدنيا نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط من الله وغضب قال فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الخبيث فيقولون فلان بن فلان باقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي إلى سماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط فيقول الله عز وجل اكتبوا في سجين في الأرض السفلى وتطرح روحه طرحا ثم قرأ رسول الله

ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول ها هاه لا أدري فينادي من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول له ابشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر فيقول أنا عملك الخبيث فيقول رب لا تقم الساعة ورواه أبو داود بطوله بنحوه فهذا التوقيع والمنشور الأول
 فصل وأما المنشور الثاني
   فقال الطبراني في معجمه حدثنا إسحاق بن إبراهيم الديري عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن زياد بن انعم عن عطاء بن يسار عن سلمان الفارسي قال قال رسول الله لا يدخل الجنة أحد إلا بجواز بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله لفلان بن فلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية واخبرنا سليمان بن حمزة الحاكم أنبأنا محمد بن عبد الواحد المقدسي أنبأنا زاهر الثقفي أن عبد السلام بن محمد بن عبد الله أخبرهم أنبأنا المطهر بن عبد الواحد البراقي حدثنا محمد بن إسحاق بن منده أنبأنا محمد بن علي البلخي حدثنا محمد بن حسام حدثنا العباس بن زياد ثقة ثنا سعدان بن سعيد ثنا سليمان التميمي عن أبي عثمان النهدي عن سليمان الفارسي أن النبي قال يعطي المؤمن جوازا على الصراط بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية قلت وقع المؤمن في قبضة أصحاب اليمين يوم القبضتين ثم كتب من أهل الجنة يوم نفخ الروح فيه ثم يكتب في ديوان أهل الجنة يوم موته ثم يعطي هذا المنشور يوم القيامة فالله المستعان
 الباب السادس عشر في توحد طريق الجنة وأنه ليس لها إلا طريق واحد هذا
 مما اتفقت عليه الرسل من اولهم إلى خاتمهم صلوات الله وسلامه عليهم وأما

طرق الجحيم فأكثر من أن تحصى وأن تحصي ولهذا يوحد سبحانه سبيله ويجمع سبل النار كقوله تعالى وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله وقال وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر أي ومن السبيل جائر عن القصد وهي سبيل الغي وقال هذا صراط علي مستقيم وقال ابن مسعود خط لنا رسول الله خطا وقال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وعن يساره ثم قال هذه سبل وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل الآية فأن قيل فقد قال الله تعالى قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام قيل هي سبل تجمع في سبيل واحد وهي بمنزلة الجواد والطرق في الطريق الأعظم فهذه هي شعب الأيمان يجمعها الإيمان وهو شعبة كما يجمع ساق الشجرة أغصانها وشعبها وهذه السبل هي إجابة داعي داعي الله بتصديق خبره وطاعة أمره وطريق الجنة هي إجابة الداعي إليها ليس إلا وقد روى البخاري في صحيحه عن جابر قال جاءت ملائكة إلى النبي فقال بعضهم أنه نائم وقال بعضهم العين نائمة والقلب يقظان فقالوا أن لصاحبكم هذا مثلا فاضربوا له مثلا فقالوا مثله مثل رجل بني دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة فقالوا أولوها له يفقهها فقال بعضهم إن العين نائمة والقلب يقظان الدار الجنة والداعي محمد فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله ومن عصى محمدا فقد عصى الله ومحمد فرق بين الناس ورواه الترمذي عنه ولفظه خرج علينا رسول الله يوما فقال إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه أضرب له مثلا فقال أسمع سمعت أذنك واعقل عقل قلبك إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك أتخذ دارا ثم بنى فيها بيتا ثم جعل مائدة ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه فالله هو الملك والدار الإسلام والبيت الجنة وأنت يا محمد الرسول فمن أجابك دخل الإسلام ومن دخل الإسلام دخل الجنة ومن دخل الجنة أكل ما فيها وصحح الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود قال صلى رسول الله العشاء ثم انصرف فأخذ بيدي حتى خرج بي إلى بطحاء مكة فاجلسني ثم خط على خطا ثم قال لا تبرحن خطك فإنه سينتهي إليك رجال فلا تكلمهم فإنهم لا يكلمونك ثم مضى رسول الله

حيث أراد فبينا أنا جالس في خطي إذا أتاني رجال كلهم الزط أشعارهم وأجسامهم لا أرى عورة ولا أرى بشرا وينتهون إلى لا يجاوزون الخط ثم يصدرون إلى رسول الله حتى إذا كان آخر الليل لكن رسول الله قد جاءني وأنا جالس فقال لقد رآني منذ الليلة ثم دخل على في خطي فتوسد فخذي فرقد وكان رسول الله إذا إذا رقد نفخ فبينا أنا قاعد ورسول الله متوسد فخذي إذا برجال عليهم ثياب بيض الله أعلم ما بهم من الجمال فانتهوا إلى مجلس طائفة منهم عند راس رسول الله وطائفة منهم عند رجليه ثم قالوا ما رأينا عبدا قد أوتى مثل ما أوتى هذا النبي أن عينيه تنامان وقلبه يقظان اضربوا له مثلا مثل سيد بنى قصرا ثم جعل مأدبة فدعا الناس إلى طعامه وشرابه فمن أجابه أكل من طعامه وشرب من شرابه ومن لم يجبه عاقبة أو قال عذبه ثم ارتفعوا واستيقظ رسول الله عند ذلك فقال سمعت ما قال هؤلاء وهل تدري من هم قلت الله ورسوله أعلم قال هم الملائكة فتدري ما المثل الذي ضربوه قلت الله ورسوله اعلم قال الرحمن بني الجنة ودعا إليها عباده فمن إجابه دخل الجنة ومن لم يجبه عذبه
 الباب السابع عشر في درجات الجنة قال تعالى
 لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدون درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما ذكر ابن جرير عن هشام ابن حسان عن جبلة بن عطية عن أبن محيريز قال فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه قال هي سبعون درجة ما بين الدرجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعين عاما وقال ابن المبارك أنبأنا سلمة بن نبيط عن الضحاك في قوله تعالى لهم درجات عند ربهم قال بعضهم أفضل من بعض فيرى الذي قد فضل به فضله ولا يرى الذي هو أسفل منه أنه فضل عليه أحد من الناس وتأمل قوله كيف أوقع التفضيل أولا بدرجة ثم أوقعه ثانيا بدرجات

فقيل الأول بين القاعد المعذور والمجاهد والثاني بين القاعد بلا عذر والمجاهد وقال تعالى أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون وقال تعالى إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم وفي الصحيحين من حديث مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال أن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغاير من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ولفظ البخاري في الأفق وهو أبين والغابر هو الذاهب الماضي الذي قد تدلى للغروب وفي التمثيل به دون الكواكب المسامت للرأس وهو أعلى فائدتان أحدهما بعده عن العيون والثانية أن الجنة درجات بعضها أعلى من بعض وأن لم تسامت العليا السفلى كالبساتين الممتدة من رأس الجبل إلى ذيله والله أعلم وفي الصحيحين أيضا من حديث سهل بن سعد أن رسول الله قال أن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرفة في الجنة كما ترون الكوكب في أفق السماء وقال الأمام أحمد حدثنا فرات أخبرني فليح عن هلال يعني ابن علي عن عطاء عن أبي هريرة أن رسول الله أن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون أو ترون الكوكب الدري الغارب في الأفق الطالع في تفاصيل الدرجات قالوا يا رسول الله أولئك النبيون قال بلى والذي نفسي بيده وأقوام آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ورجال هذا الإسناد احتج بهم البخاري في صحيحه وفي هذا الحديث الغارب وفي حديث أبي سعيد الخدري الغابر وقوله الطالع صفة للكوكب وصفة بكونه غاربا وبكونه طالعا وقد صرح بهذا المعنى في الحديث الذي رواه ابن المبارك عن فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن أبي هريرة عن النبي قال أن أهل الجنة ليتراءون في الغرف كما يرى الكوكب الشرقي والكوكب الغربي في الأفق في تفاصيل الدرجات قالوا يا رسول الله أولئك النبيون قال بلى والذي نفسي بيده وأقوام آمنوا بالله

وصدقوا المرسلين وهذا على شرط البخاري أيضا   وفي المسند من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله أن المتحابين لترى غرفهم في الجنة كالكوكب الطالع الشرقي أو الغربي فيقال من هؤلاء فيقال هؤلاء المتحابون في الله عز وجل في المسند من حديث أبي سعيد الخدري أيضا عن النبي قال أن في الجنة مائة ولو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن وسعتهم وفي المسند عنه أيضا عن النبي قال يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة اقرأ واصعد فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه وهذا صريح في أن درج الجنة تزيد على مائة درجة وأما حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري في صحيحه عن النبي قال أن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله بين كل درجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة فأما أن تكون هذه المائة من جملة الدرج وإما أن تكون نهايتها هذه المائة وفي ضمن كل درجة دونها ويدل على المعنى الأول حديث زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل قال سمعت رسول الله يقول من صلى هؤلاء الصلوات الخمس وصام شهر رمضان كان حقا على الله أن يغفر له هاجر أو قعد حيث ولدته أمه قلت يا رسول الله ألا أخرج فأوذن الناس قال لا ذر الناس يعملون وإن في الجنة مائة درجة بين كل درجتين منها مثل ما بين السماء والأرض وأعلى درجة منها الفردوس وعليها ما يكون العرش وهي أوسط شيء في الجنة ومنها تفجر أنهار الجنة وإذا سألتم الله فسلوه الفردوس رواه الترمذي هكذا بلفظه وروى أيضا من حديث عطاء عن عبادة بن الصامت أن رسول الله قال أن في الجنة مائة درجة ثم ذكر نحو حديث معاذ وفيه أيضا من حديث عطاء عن أبي هريرة قال قال رسول الله في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مائة عام قال هذا حديث حسن غريب   وفيه أيضا من حديث أبي سعيد يرفعه أن في الجنة مائة درجة لو أن العالمين إ جتمعوا في إحداهن لوسعتهم ورواه أحمد بدون لفظة في كما تقدم وقد رويت هذه الأحاديث بلفظة في وبدونها وإن كان

المحفوظ ثبوتها فهي من جملة درجتها وإن كان المحفوظ سقوطها فهي الدرج الكبار المتضمنة للدرج الصغار والله أعلم ولا تناقض بين تقدير ما بين الدرجتين بالمائة وتقديره بالخمسمائة لاختلاف السير في السرعة والبطء والنبي ذكر هذا تقريبا للافهام ويدل عليه حديث زيد بن حبان حدثنا عبد الرحمن بن شريح حدثني أبو هانيء التجيبي سمعت أبا علي التجيبي سمعت أبا سعيد الخدري يقول سمعت رسول الله يقول مائة درجة في الجنة ما بين الدرجتين ما بين السماء والأرض أو بعد ما بين السماء والأرض قلت يا رسول الله لمن قال للمجاهدين في سبيل الله
 الباب الثامن عشر في ذكر أعلى درجاتها واسم تلك الدرجة روى مسلم في
 صحيحه من حديث عمرو بن العاص أنه سمع النبي يقول إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فأنه من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي وقال أحمد أنبأنا عبد الرزاق أنبأنا سفيان عن ليث عن كعب عن أبي هريرة أن رسول الله قال إذا صليتم فسلوا الله لي الوسيلة قيل يا رسول الله وما الوسيلة قال أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل واحد وأرجو أن أكون أنا هو   هكذا الرواية أن أكون أنا هو ووجهها أن تكون الجملة خبرا عن اسم كان المستتر فيها ولا يكون أنا فصلا ولا توكيدا بل مبتدأ وفي الصحيحين من حديث جابر قال قال رسول الله من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمد الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة هكذا لفظ الحديث مقاما بالتنكير ليوافق لفظ الآية ولأنه لما تعين وانحصر نوعه في شخصه جرى مجرى المعرفة فوصف بما توصف به المعارف وهذا ألطف من جعل الذي وعدته بدلا فتأمله وفي المسند من حديث عمارة بن غزية عن موسى بن وردان عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله

الوسيلة درجة عند الله عز وجل ليس فوقها درجة فسلوا الله لي الوسيلة وذكره أبن أبي الدنيا وقال فيه درجة في الجنة ليس في الجنة درجة أعلى منها فسلوا الله أن يؤتيها على رؤوس الخلائق وقال أبو نعيم أنبأنا سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن عمرو بن مسلم حدثنا عبد الله بن عمران العابد حدثنا فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله والله أنك لأحب إلي من نفسي وإنك لأحب إلي من أهلي وأحب إلي من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد عليه النبي حتى نزل جبريل بهذا الأية ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي لا أعلم بإسناد هذا الحديث بأسا وسميت درجة النبي الوسيلة لأنها أقرب الدرجات إلى عرش الرحمن وهي أقرب الدرجات إلى الله وأصل اشتقاق لفظ الوسيلة من القرب وهي فعيلة من وسل إليه إذا تقرب إليه قال لبيد بلى كل ذي رأي إلى الله واسل ومعني الوسيلة من الوصلة ولهذا كانت أفضل الجنة وأشرفها وأعظمها نورا وقال صالح بن عبد الكريم قال لنا فضيل بن عياض أتدرون لم حسنت الجنة لأن عرش رب العالمين سقفها وقال الحكم آبن أبان عن عكرمة عن آبن عباس نور سقف مساكنكم نور عرشه وقال بكر عن أشعث عن الحسن إنما سميت عدن لأن فوقها العرش ومنها تفجر أنهار الجنة وللحور العدنية الفضل على سائر الحور والقربى والزلفى واحد وإن كان في الوسيلة معنى التقرب إليه بأنواع الوسائل وقال الكلبي آطلبوا إليه القربة بالأعمال الصالحة وقد كشف سبحانه عن هذا المعنى كل الكشف بقوله أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم اقرب فقوله أيهم اقرب هو تفسير للوسيلة التي يبتغيها هؤلاء الذين يدعوهم المشركون من دون الله فيتنافسون في القرب منه ولما كان رسول أعظم الخلق عبودية لربه وأعلمهم به وأشدهم له خشية واعظمهم له محبة كانت منزلته أقرب المنازل إلى

الله وهي أعلى درجة في الجنة وأمر النبي أمته أن يسألوها له لينالوا بهذا الدعاء زلفى من الله وزيادة الإيمان وأيضا فإن الله سبحانه قدرها له بأسباب منها دعاء أمته له بها بما نالوه على يده من الإيمان والهدى صلوات الله وسلامه عليه وقوله حلت عليه يروى عليه وله فمن رواه باللام فمعناه حصلت له ومن رواه بعلى فمعناه وقعت عليه شفاعتي والله أعلم
 الباب التاسع عشر في عرض الرب تعالى سلعته الجنة على عباده وثمنها الذي
 طلبه منهم وعقد التبايع الذي وقع بين المؤمنين وبين ربهم   قال تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التواراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم فجعل سبحانه ها هنا الجنة ثمنا لنفوس المؤمنين وأموالهم بحيث إذا بذلوها فيه استحقوا الثمن وعقد معهم هذا العقد وأكده بأنواع من التأكيد   أحدها إخبارهم سبحانه وتعالى بصيغة الخبر المؤكد باداة أن   الثاني الأخبار بذلك بصيغة المرضى الذي قد وقع وثبت واستقر   الثالث إضافة هذا العقد إلى نفسه سبحانه وأنه هو الذي اشترى هذا المبيع   الرابع أنه أخبر بأنه وعد بتسليم هذا الثمن وعدا لا يخلفه ولا يتركه   الخامس أنه أتى بصيغة على التي للوجوب أعلاما لعباده بأن ذلك حق عليه أحقه هو على نفسه   السادس أنه أكد ذلك بكونه حقا عليه   السابع أنه أخبر عن محل هذا الوعد وأنه في أفضل كتبه المنزلة من السماء وهي التوراة والإنجيل والقرآن الثامن إعلامه لعباده بصيغة استفهام الإنكار وأنه لا أحد أوفى بعهده منه سبحانه   التاسع أنه سبحانه وتعالى أمرهم أن يستبشروا بهذا العقد ويبشر به بعضهم بعضا بشارة من قد تم له العقد ولزم بحيث لا يثبت فيه خيار ولا يعرض له ما يفسخه   العاشر أنه أخبرهم إخبارا مؤكدا بأن ذلك البيع الذي بايعوه به هو الفوز العظيم والبيع ههنا بمعنى المبيع الذي أخذوه بهذا الثمن وهو الجنة وقوله بايعتم به أي عاوضتم و ثامنتم به ثم ذكر سبحانه أنه هذا العقد الذي وقع العقد وتم لهم دون غيرهم وهم التائبون

مما يكره العابدون له بما يحب الحامدون له على ما يحبون وما يكرهون السائحون وفسرت السياحة بالصيام وفسرت بالسفر في طلب العلم وفسرت بالجهاد وفسرت بدوام الطاعة والتحقيق فيها أنها سياحة القلب في ذكر الله ومحبته والإنابة إليه والشوق إلى لقائه ويترتب عليها كل ما ذكر من الأفعال ولذلك وصف الله سبحانه نساء النبي اللاتي لو طلق أزواجه بدله بهن بأنهن سائحات وليست سياحتهن جهادا ولا سفرا في طلب علم ولا إدامة صيام وإنما هي سياحة قلوبهن في محبة الله تعالى وخشيته والإنابة إليه ذكره   وتأمل كيف جعل الله سبحانه التوبة والعبادة قرينتين هذه ترك ما يكره وهذه فعل ما يحب والحمد والسياحة قرينتين هذا الثناء عليه بأوصاف كماله وسياحة اللسان في أفضل ذكره وهذه سياحة القلب في حبه وذكره وإجلاله كما جعل سبحانه العبادة والسياحة قرينتين في صفة الأزواج فهذه عبادة البدن وهذه عبادة القلب وجعل الإسلام والإيمان قرينتين فهذا علانية وهذا في القلب كما في المسند عنه الإسلام علانية والإيمان في القلب وجعل القنوت والتوبة قرينتين هذا فعل ما يحب وهذا ترك ما يكره وجعل الثيوبة والبكارة قرينتين فهذه قد وطئت وارتاضت وذللت صعوبها وهذه روضة أنف لم يرتع فيها بعد وجعل الركوع والسجود قرينتين وجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قرينتين وأدخل بينهما الواو دون ما تقدم إعلاما بأن إحدهما لا يكفي حتى يكون مع الآخر وجعل ذلك قرينا لحفظ حدوده فهذا حفظها في نفس الإنسان وذلك أمر غيره بحفظها وأفهمت الآية خطر النفس الإنسانية وشرفها وعظم مقدارها فإن السلعة إذا خفى عليك قدرها فآنظر إلى المشتري لها من هو ونظر إلى الثمن المبذول فيها ما هو وانظر إلى ما جرى على يده عقد التبايع فالسلعة النفس والله سبحانه المشتري لها والثمن لها جنات النعيم والسفير في هذا العقد خير خلقه من الملائكة وأكرمهم عليه وخيرهم من البشر وأكرمهم عليه   قد هيؤك لأمر لو فطنت له % فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل   وفي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا أن سلعة الله غالية ألا إن

سلعة الله الجنة قال هذا + حديث حسن + غريب وفي كتاب صفة الجنة لأبي نعيم من حديث أبان عن أنس قال جاء أعرابي إلى رسول الله فقال ما ثمن الجنة قال لا إله إلا الله وشواهد هذا الحديث كثيرة جدا وفي + الصحيحين + من حديث أبي هريرة أن أعرابيا جاء إلى رسول الله فقال يا رسول دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة فقال تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان قال والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئا أبدا ولا أنقص منه فلما ولى قال من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا وفي + صحيح مسلم + عن جابر قال أتى النعمان بن قوقل إلى رسول الله فقال يا رسول الله أرأيت إذا صليت المكتوبة وحرمت الحرام وأحللت الحلال أدخل الجنة فقال النبي نعم وفي + صحيح مسلم + عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة وفي سنن أبي داود عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة + وفي الصحيحين + عن أبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله أتاني آت من ربي فأخبرني أو قال فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك شيئا دخل الجنة قلت وأن زنى وأن سرق قال وإن زنى وأن سرق وفي + الصحيحين + من حديث عبادة بن الصامت قال قال رسول الله من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء وفي لفظ أدخله الله الجنة على ما كان من عمل وفي صحيح مسلم أن رسول الله أعطى أبا هريرة نعليه فقال أذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة وقال روح آبن عبادة عن حبيب بن الشهيد عن الحسن قال ثمن الجنة لا إله إلا الله وروى أبو نعيم من حديث أبي الزبير عن جابر قال سمعت رسول الله يقول لا يدخل أحدا منكم الجنة عمله ولا يجيره من النار ولا أنا

إلا بتوحيد الله تعالى وإسناده على شرط مسلم وأصل الحديث في الصحيح فصل   وههنا أمر يجب التنبيه عليه وهو أن الجنة إنما تدخل برحمة الله تعالى وليس عمل العبد مستقلا بدخولها وإن كان سببا ولهذا أثبت الله تعالى دخولها بالأعمال في قوله بما كنتم تعملون ونفى رسول الله دخولها بالأعمال بقوله لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله ولا تنافي بين الأمرين لوجهين أحدهما ما ذكره سفيان وغيره قال كانوا يقولون النجاة من النار يعفر الله ودخول الجنة برحمته واقتسام المنازل والدرجات بالأعمال ويدل على هذا حديث أبي هريرة الذي سيأتي أن شاء الله تعالى أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم رواه الترمذي والثاني أن الباء التي نفت الدخول هي باء المعاوضة التي يكون فيها أحد العوضين مقابلا للآخر والباء التي أثبتت الدخول هي باء السببية التي تقتضي سببية ما دخلت عليه لغيرة وأن لم يكن مستقلا بحصوله وقد جمع النبي بين الأمرين بقوله سدوا وقاربوا وأبشروا واعلموا أن أحدا منكم لن ينجو بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا ألا أن يتغمدني الله برحمته ومن عرف الله تعالى وشهد مشهد حقه عليه ومشهد تقصيره وذنوبه وابصر هذين المشهدين بقلبه عرف ذلك وجزم به والله سبحانه وتعالى المستعان
 الباب العشرون في طلب أهل الجنة لها من ربهم وطلبها لهم وشفاعتها فيهم
 إلى ربهم عز وجل قال الله تعالى حكاية عن أولي الألباب من عباده قولهم ^ ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للأيمان أن أمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الإبرار ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ^ والمعنى وآتنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك من دخول الجنة وقالت طائفة

معناه وآتنا ما وعدتنا على الإيمان برسلك وليس بسهل حذف الأسم والحرف معا إلا أن يقدر على تصديق رسلك وطاعة رسلك وحينئذ فيتكافأ التقديران ويترجح الأول بأنه قد تقدم قولهم ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للأيمان أن آمنوا بربكم فآمنا وهذا صريح في الأيمان بالرسول والمرسل ثم توسلوا إليه بأيمانهم أن يؤتيهم ما وعدهم على السنة الرسل فإنهم أنما سمعوا بوعدهم لهم بذلك من الرسل وذلك أيضا يتضمن التصديق بهم وانهم بلغوهم وعده فصدقوا به وسألوه أن يؤتيهم إياه وهذا هو الذي ذكره السلف والخلف في الاية وقيل المعنى آتنا ما وعدتنا من النصر والظفر على ألسنة الرسل والأول أعم وأكمل وتأمل كيف تضمن إيمانهم به والإيمان بأمره ونهيه ورسله ووعده ووعيده وأسمائه وصفاته وأفعاله وصدق وعده والخوف من وعيده واستجابتهم لأمره فبمجموع ذلك صاروا مؤمنين بربهم فبذلك صح لهم التوسل إلى سؤال ما وعدهم به والنجاة من عذابه وقد أشكل على بعض الناس سؤالهم أن ينجز لهم وعده مع أنه فاعل لذلك ولا بد وأجاب بأن هذا تعبد محض كقوله ^ رب أحكم بالحق ^ وقول الملائكة ^ فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك ^ وخفي على هؤلاء أن الوعد معلق بشروط منها الرغبة إليه سبحانه وتعالى وسؤاله أن ينجزه لهم كما أنه معلق بالأيمان وموافاتهم به وان لا يلحقه ما يحبطه فإذا سألوه سبحانه أن ينجز لهم ما وعدهم تضمن ذلك توفيقهم وتثبيتهم وإعانتهم على الأسباب التي ينجز لهم بها وعده فكان هذا الدعاء من أهم الأدعية وأنفعها وهم أحوج إليه من كثير من الأدعية وأما قوله رب أحكم فهذا سؤال له سبحانه وتعالى أن ينصرهم على أعدائهم فيحكم لهم عليهم بالنصر والغلبة وكذا سؤال الملائكة ربهم أن يغفر للتائبين هو من الأسباب التي توجب بها لهم المغفرة فهو سبحانه نصب الأسباب التي يفعل بها ما يريده بأوليائه وأعدائه وجعلها أسبابا لإرادته كما جعلها أسبابا لوقوع مراده فمنه السبب والمسبب وأن أشكل عليك ذلك فانظر إلى خلقه الأسباب التي توجب محبته وغضبه فهو يحب ويرضى ويغضب ويسخط عن الأسباب التي خلقها وشاءها فالكل منه وبه مبتدأ من مشيئته وعائد إلى حكمته وحده وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد لا يلجه إلا العالمون بالله ونظير هذه الآية في سؤاله ما وعد به قوله تعالى قل أذلك خيرا أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء

ومصيرا لهم فيها ما يشاؤن خالدين كان على ربك وعدا مسؤلا يسأله إياه عباده المؤمنون ويسأله إياه ملائكته لهم فالجنة تسأل ربها أهلها وأهلها يسألونه إياها والملائكة تسألها لهم والرسل يسألونه إياها لهم ولأتباعهم ويوم القيامة يقيمهم سبحانه بين يديه يشفعون فيها لعباده المؤمنين وفي هذا من تمام ملكه وإظهار رحمته وإحسانه وجوده وكرمه وأعطائه ما سئل ما هو من لوازم أسمائه وصفاته واقتضائها لآثارها ومتعلقاتها فلا يجوز تعطيلها عن آثارها وأحكامها فالرب تعالى جواد له الجود كله يحب أن يسئل ويطلب منه ويرغب إليه فخلق من يسأله وألهمه سؤاله وخلق له ما يسأله إياه فهو خالق السائل وسؤاله ومسئوله وذلك لمحبته سؤال عباده له ورغبتهم إليه وطلبهم منه وهو يغضب إذا لم يسئل   الله يغضب إن تركت سؤاله % وبني آدم حين يسئل يغضب   وأحب خلقه إليه أكثرهم وأفضلهم له سؤالا وهو يحب الملحين في الدعاء وكلما ألح العبد عليه في السؤال أحبه وقربه وأعطاه في الحديث من لم يسأل الله يغضب عليه فلا إله إلا هو أي جناية جنت القواعد الفاسدة على الإيمان وحالت بين القلوب وبين معرفة ربها وأسمائه وصفات كماله ونعوت جلاله والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله   قال أبو نعيم الفضل حدثنا يونس هو إبن أبي إسحاق حدثنا يزيد بن أبي مرثد قال قال أنس بن مالك قال رسول الله ما من مسلم يسأل الله الجنة ثلاثا إلا قالت الجنة اللهم أدخله الجنة ومن استجار من النار بالله ثلاثا قالت النار اللهم إجره من النار رواه الترمذي والنسائي وإبن ماجه عن هناد بن السري عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن يزيد به وقال الحسن بن سفيان حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن ليث عن يونس بن حبان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله ما سأل الله عبد الجنة في يوم سبع مرات الا قالت الجنة يا رب أن عبدك فلانا يسالني فأدخلينه وقال ابو يعلى الموصلى حدثنا ابو خيثمة زهير بن حرب حدثنا جرير عن يونس عن أبي حازم عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله ما استجار عبد من النار سبع مرات إلا قالت النار أن عبدك فلانا إستجار مني فأجره ولا يسأل عبد الجنة سبع مرات إلا قالت الجنة يا رب أن عبدك فلانا سألني فأدخله

الجنة وإسناده على شرط الصحيحين وقال أبو داود في مسنده حدثنا شعبة حدثني يونس بن حبان سمع أبا علقمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله من قال أسأل الله الجنة سبعا قالت الجنة اللهم أدخله الجنة وقال الحسن بن سفيان حدثنا المقدمي حدثنا عمر بن علي عن يحيى بن عبد الله عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله أكثروا مسألة الله الجنة واستعيذوا به من النار فأنهما شافعتان مشفعتان وأن العبد إذا أكثر مسألة الله الجنة قالت الجنة يا رب عبدك هذا الذي سألينك فأسكنه إياي وتقول النار يا رب عبدك هذا الذي إستعاذ بك مني فاعذه وقد كان جماعة من السلف لا يسألون الله الجنة ويقولون حسبنا أن يجيرنا من النار فمنهم أبو الصهباء صلة بن أشيم صلى ليلة إلى السحر ثم رفع يديه وقال اللهم أجرني من النار أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة ومنهم عطاء السلمي كان لا يسأل الجنة فقال له صالح المري أن أبان حدثني عن أنس أن النبي قال يقول الله عز وجل انظروا في ديوان عبدي فمن رايتموه سألني الجنة أعطيته ومن أستعذ بي من النار أعذته فقال عطاء كفاني أن يجيرني من النار ذكرها أبو نعيم وقد روى أبو داود في سننه من حديث جابر في قصة صلاة معاذ وتطويله بهم أن النبي قال للفتي يغنى الذي شكاه كيف تصنع يا ابن أخي إذا صليت قال أقرأ بفاتحة الكتاب وأسأل الله الجنة وأعوذ به من النار وأني لا أدري ما دندنتك ودندنة معاذ فقال النبي أني ومعاذا حولها ندندن وفي سنن أبي داود من حديث محمد بن المنكدر عن جابر عن عبد الله قال قال رسول الله لا يسئل بوجه الله إلا الجنة رواه عن أحمد بن عمرو العصفري حدثنا يعقوب بن إسحاق حدثنا سليمان بن معاذ عن محمد فذكره وقد تقدم في أول الكتاب حديث الليث عن معاوية عن صالح عن عبد الملك أبن أبي بشير يرفع الحديث ما من يوم إلا والجنة والنار يسألان تقول الجنة يا رب قد طابت تماري وأطردت أنهاري واشتقت إلى أوليائي فعجل إلى بأهلي الحديث فالجنة تطلب أهلها بالذات وتجذبهم إليه جذبا والنار كذلك وقد أمرنا رسول الله أن لا نزال نذكرهما ولا ننساهما كما روى أبو يعلي الموصلي في مسنده حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا أيوب بن أبي

شبيب الصنعاني قال كان فيما عرضنا على رباح بن زيد حدثني عبد الله بن نمير سمعت عبد الرحمن بن يزيد يقول سمعت عبد الله بن عمر يقول سمعت رسول الله يقول لا تنسوا العظيمتين قلنا وما العظيمتان يا رسول الله قال الجنة والنار وذكر أبو بكر الشافعي من حديث كليب بن حرب قال سمعت رسول الله يقول اطلبوا الجنة جهدكم واهربوا من النار جهدكم فإن الجنة لا ينام طالبها وإن النار لا ينام هاربها وإن الآخرة اليوم محفوفة بالمكاره وإن الدنيا محفوفة باللذات والشهوات فلا تلهينكم عن الآخرة
 الباب الحادي والعشرون في أسماء الجنة ومعانيها واشتقاقها ولها عدة
 أسماء باعتبار صفاتها ومسماها واحد باعتبار الذات فهي مترادفة من هذا الوجه وتختلف باعتبار الصفات فهي متباينة من هذا الوجه وهكذا أسماء الرب سبحانه وتعالى وأسماء كتابه وأسماء رسله وأسماء اليوم الآخر وأسماء النار   الاسم الأول الجنة وهو الاسم العام المتناول لتلك الدار وما اشتملت عليه من أنواع النعيم واللذة والبهجة والسرور وقرة الأعين واصل اشتقاق هذه اللفظة من الستر والتغطية ومنه الجنين لاستتاره في البطن والجان لاستتاره عن العيون والمجن لستره ووقايته الوجه والمجنون لاستتار عقله وتواريه عنه والجان وهي الحية الصغيرة الرقيقة ومنه قول الشاعر   فذقت وجلت وأبكرت % وأكملت فلو جن إنسان من الحسن جنت   أي لو غطى وستر عن العيون لفعل بها ذلك ومنه سمى البستان جنة لأنه يستر داخله بالأشجار ويغطيه ولا يستحق هذا الاسم إلا موضع كثير الأشجار مختلف الأنواع والجنة بالضم ما يستجن به من ترس أو غيره ومنه قوله تعالى أتخذوا أيمانهم جنة أي يستترون بها من إنكار المؤمنين عليهم ومنه الجنة بالكسر كما قال تعالى من الجنة والناس وذهبت طائفة من المفسرين إلى أن الملائكة يسمون جنة واحتجوا بقوله تعالى ^ وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ^ قالوا وهذا النسب قولهم الملائكة بنات الله ورجحوا هذا القول بوجهين   أحدهما إن النسب الذي جعلوه إنما زعموا أنه بين الملائكة وبينه ولا بين الجن

وبينه   الثاني قوله تعالى ^ ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون ^ أي قد علمت الملائكة أن الذين قالوا هذا القول محضرون للعذاب والصحيح خلاف ما ذهب إليه هؤلاء وإن الجنة هم الجن نفسهم كما قال تعالى ^ من الجنة والناس ^ وعلى هذا ففي الآية قولان أحدهما قول مجاهد قال قالت كفار قريش الملائكة بنات الله فقال لهم ابو بكر فمن أمهاتهم قالوا سروات الجن وقال الكلبي قالوا تزوج من الجن فخرج من بينهما الملائكة وقال قتادة قالوا صاهر الجن فخرج من بينهما الملائكة وقال قتادة قالوا صاهر الجن والقول الثاني هو قول الحسن قال أشركوا الشياطين في عبادة الله فهو النسب الذي جعلوه والصحيح قول مجاهد وغيره وما احتج به أصحاب القول الأول ليس بمستلزم لصحة قولهم فإنهم لما قالوا الملائكة بنات الله وهم من الجن عقدوا بينه وبين الجن نسبا بهذا الإيلاد وجعلوا هذا النسب متوالد بينه وبين الجن وأما قوله ^ ولقد علمت الجنة أنهم لمحضرون ^ فالضمير يرجع إلى الجنة أي قد علمت الجنة أنهم لمحضرون الحساب قاله مجاهد أي لو كان بينه وبينهم نسب لم يحضروا للحساب كما قال تعالى ^ وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم ^ فجعل سبحانه عقوبتهم بذنوبهم وإحضارهم للعذاب مبطلا لدعواهم الكاذبة وهذا التقدير في الاية أبلغ في إبطال قولهم من التقدير الأول فتأمله والمقصود ذكر أسماء الجنة فصل   الاسم الثاني دار السلام وقد سماها الله بهذا الاسم في قوله ^ لهم دار السلام عند ربهم ^ وقوله ^ والله يدعوا إلى دار السلام ^ وهي احق بهذا الاسم فإنها دار السلامة من كل بلية وآفة ومكروه وهي دار الله واسمه سبحانه وتعالى السلام الذي سلمها وسلم اهلها ^ وتحيتهم فيها سلام ^ ^ والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم ^ والرب تعالى يسلم عليكم من فوقهم كما قال تعالى ^ لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولا من رب رحيم ^ وسيأتي حديث جابر في سلام الرب تبارك وتعالى عليهم في الجنة وكلامهم كلهم فيها سلام أي لا لغو فيها ولا فحش ولا باطل كما قال تعالى ^ لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ^ واما قوله تعالى ^ واما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من اصحاب اليمين ^ فأكثر المفسرون حاموا حول المعنى وما وردوه وقالوا أقوالا لا يخفى بعدها عن المقصود وإنما معنى الآية والله أعلم فسلام لك ايها الراحل عن الدنيا حال كونك من أصحاب اليمين

أي فسلامه لك كائنا من أصحاب اليمين الذين سلموا من الدنيا وإنكارها ومن النار وعذابها فبشر بالسلامة عند ارتحاله من الدنيا وقدومه على الله كما يبشر الملك روحه عند أخذها بقوله ابشري بروح وريحان ورب غير غضبان وهذا أول البشرى التي للؤمن في الآخرة فصل   الاسم الثالث دار الخلد وسميت بذلك لأن أهلها لا يظعنون عنها أبدا كما قال تعالى ^ عطاء غير مجذوذ ^ وقال إن هذا لرزقنا ما له من نفاذ وقال ^ أكلها دائم وظلها ^ وقال ^ وما هم منها بمخرجين ^ وسيأتي إبطال قول من قال من الجهمية والمعتزلة بفنائها أو فناء حركات أهلها أن شاء الله تعالى فصل الاسم الرابع دار المقامة قال تعالى حكاية عن أهلها وقالوا ^ الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن أن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ^ قال مقاتل أنزلنا دار الخلود أقاموا فيها ابدا لا يموتون ولا يتحولون منها أبدا قال الفراء والزجاج المقامة مثل الإقامة يقال أقمت بالمكان إقامة ومقامة ومقاما فصل   الاسم الخامس جنة المأوى قال تعالى ^ عندها جنة المأوى ^ والمأوى مفعل من أوى يأوي إذا انضم إلى المكان وصار إليه واستقر به وقال عطاء عن ابن عباس هي الجنة التي يأوي إليها جبريل والملائكة وقال مقاتل والكلبي هي جنة تأوي إليها أرواح الشهداء وقال كعب جنة المأوى جنة فيها طير خضر ترتع فيها أرواح الشهداء وقالت عائشة رضي الله عنها وزر بن حبيش هي جنة من الجنان والصحيح أنه اسم من أسماء الجنة كما قال تعالى ^ وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ^ وقال في النار ^ فإن الجحيم هي المأوى ^ وقال ومأواكم النار

فصل   الاسم السادس جنات عدن فقيل هي اسم لجنة من الجنان والصحيح أنه اسم لجنة الجنان وكلها جنات عدن قال تعالى ^ جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب ^ وقال تعالى جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من اساور من ذهب ولؤلؤ ولباسهم فيها حرير وقال تعالى ومساكن طيبة في جنات عدن والاشتقاق يدل على أن جميعها جنات عدن فإنه من الإقامة والدوام يقال عدن بالمكان إذا أقام به وعدنت البلد توطنته وعدنت الإبل بمكان كذا لزمته فلم تبرح منه قال الجوهري ومنه جنات عدن أي إقامة ومنه سمى المعدن بكسر الدال لأن الناس يقيمون فيه الصيف والشتاء ومركزه كل شيء معدنه والعادن الناقة المقيمة في المرعى فصل   الاسم السابع دار الحيوان قال تعالى وإن الدار الآخرة لهي الحيوان والمراد الجنة عند أهل التفسير قالوا وأن الآخرة يعني الجنة لهي الحيوان لهي دار الحياة التي لا موت فيها فقال الكلبي هي حياة لا موت فيها قال وقال الزجاج هي دار الحياة الدائمة وأهل اللغة على أن الحيوان بمعنى الحياة قال أبو عبيدة وأبن قتيبة الحياة الحيوان قال أبو عبيدة الحياة والحيوان والحي بكسر الحاء واحد قال أبو علي يعني أنها مصادر فالحياة فعلة كالجلبة والحيوان كالنزوان والغليان والحي كالعي قال العجاج كنا بها إذا الحياة حي % أي إذا الحياة حياة وأما أبو زيد فخالفهم وقال الحيوان ما فيه روح والموتان والموات ما لا روح فيه والصواب أن الحيوان يقع على ضربين أحدهما مصدر كما حكاه أبو عبيدة والثاني وصف كما حكاه أبو زيد وعلى قول أبي زيد الحيوان مثل الحي خلاف الميت ورجح القول الأول بأن الفعلان بابه المصادر كالنزوان والغليان بخلاف الصفات فإن بابها فعلان كسكران وغضبان واجاب من رجح القول الثاني بإن فعلان قد جاء في الصفات أيضا قالوا رجل ضميان للسريع الخفيف وزفيان قال في الصحاح ناقة رفيان سريعة وقوس زفيان سريعة الارسال للسهم فيحتمل قوله تعالى وإن الدار الآخرة لهي الحيوان معنيين احدهما أن الحياة الآخرة هي الحياة لآنها لا تنغيص فيها ولا نفاد لها

أي لا يشوبها ما يشوب الحياة في هذه الدار فيكون الحيوان مصدرا على هذا الثاني أن يكون المعنى أنها الدار التي تفنى ولا تنقطع ولا تبيد كما يفنى الأحياء في هذه الدنيا فهي أحق بهذا الاسم من الحيوان الذي يفنى ويموت فصل   الاسم الثامن الفردوس قال تعالى أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون وقال تعالى أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها والفردوس اسم يقال على جميع الجنة ويقال على أفضلها وأعلاها كأنه أحق بهذا الاسم من غيره من الجنات وأصل الفردوس البستان والفراديس البساتين قال كعب هو البستان الذي فيه الاعناب وقال الليث الفردوس جنة ذات كروم يقال كرم مفردس أي معرش وقال الضحاك هي الجنة الملتفة بالأشجار وهو اختيار المبرد وقال الفردوس فيما سمعت من كلام العرب الشجر الملتف والأغلب عليه العنب وجمعه الفراديس قال ولهذا سمى باب الفراديس بالشام وانشد لجرير   فقلت للركب إذ جد المسير بنا % يا بعد من باب الفراديس   وقال مجاهد هذا البستان بالرومية واختاره الزجاج فقال هو بالرومية منقول إلى لفظ العربية قال وحقيقتة أنه البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين قال حسان وأن ثواب الله كل مخلد % جنان من الفردوس فيها يخلد فصل   الاسم التاسع جنات النعيم قال تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم وهذا ايضا آسم جامع لجميع الجنات لما تضمنته من الأنواع التي يتنعم بها من المأكول والمشروب والملبوس والصور والرائحة الطيبة والمنظر البهيج والمساكن الواسعة وغير ذلك من النعيم الظاهر والباطن فصل   الاسم العاشر المقام الأمين قال تعالى أن المتقين في مقام أمين والمقام الأمين موضع الإقامة والأمين الآمن من كل سوء وآفة ومكروه وهو الذي قد جمع صفات الأمن كلها

فهو آمن من الزوال والخراب وأنواع النقص واهله آمنون فيه من الخروج والنغص والنكد والبلد الأمين الذي قد أمن من أهله فيه مما يخالف منه سواهم وتأمل كيف ذكر سبحانه الأمن في قوله تعالى أن المتقين في مقام أمين وفي قوله تعالى يدعون فيها بكل فاكهة آمنين فجمع لهم بين أمن المكان وأمن الطعام فلا يخافون انقطاع الفاكهة ولا سوء عاقبتها ومضرتها وأمن الخروج منها فلا يخافون ذلك وأمن من الموت فلا يخافون فيها موتا فصل   الاسم الحادي عشر والثاني عشر مقعد الصدق وقدم الصدق قال تعالى إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق فسمى جنته مقعد صدق لحصول كل ما يراد من المقعد الحسن فيها كما يقال مودة صادقة إذا كانت ثابتة تامة وحلاوة صادقة وحملة صادقة ومنه الكلام الصدق لحصول مقصوده منه وموضع هذه اللفظة في كلامهم الصحة والكمال ومنه الصدق في الحديث والصدق في العمل والصديق الذي يصدق قوله بالعمل والصدق بالفتح الصلب من الرماح ويقال للرجل الشجاع أنه لذو مصدق أي صادق الحملة وهذا مصداق هذا اي ما يصدقه ومنه الصداقة لصفاء المودة والمخالة ومنه صدقني القتال وصدقني المودة ومنه قدم صدق ولسان صدق ومدخل صدق ومخرج صدق وذلك كله للحق الثابت المقصود الذي يرغب فيه بخلاف الكذب الباطل الذي لا شيء تحته وهو لا يتضمن أمرا ثابتا قط وفسر قوم صدق بالجنة وفسر بالأعمال التي تنال بها الجنة وفسر بالسابقة التي سبقت لهم من الله وفسر بالرسول الذي على يده وهدايته نالوا ذلك والتحقيق أن الجميع حق فأنهم سبقت لهم من الله الحسنى بتلك السابقة أي بالأسباب التي قدرها لهم على يد رسوله وأدخر لهم جزاءها يوم القيامة ولسان الصدق وهو لسان الثناء الصادق بمحاسن الأفعال وجميل الطرائق وفي كونه لسان صدق اشارة إلى مطابقته للواقع وأنه أثناء بحق لا بباطل ومدخل الصدق ومخرج الصدق هو المدخل والمخرج الذي يكون صاحبه فيه ضامنا على الله وهو دخوله وخروجه بالله ولله وهذه الدعوة من أنفع الدعاء للعبد فإنه لا يزال داخلا في أمر وخارجا من أمر فمتى كان دخوله لله وبالله وخروجه كذلك كان قد أدخل مدخل صدق واخرج مخرج صدق والله المستعان


 الباب الثاني والعشرون في عدد الجنات وأنها نوعان جنتان من ذهب وجنتان
 من فضة   الجنة اسم شامل لجميع ما حوته من البساتين والمساكن والقصور وهي جنات كثيرة جدا كما + روى البخاري في صحيحه + عن أنس بن مالك أن أم الربيع بنت البراء وهي أم حارثة بن سرقة أتت رسول الله عليه وسلم فقالت يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غريب فإن كان في الجنة صبرت وأن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء قال يا أم حارثة أنها جنان في الجنة وإن أبنك أصاب الفردوس الأعلى وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الاشعري عن رسول الله أنه قال جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن وقد قال تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان فذكرهما ثم قال ومن دونهما جنتان فهذه أربع وقد اختلف في قوله ومن دونهما هل المراد به انهما فوقهما او تحتهما على قولين فقالت طائفة من دونهما أي أقرب منهما إلى العرش فيكونان فوقهما وقالت طائفة بل معنى من دونهما تحتهما قالوا وهذا المنقول في لغة العرب إذا قالوا هذا دون هذا أي دونه في المنزلة كما قال بعضهم لمن بالغ في مدحه أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك وفي الصحاح دون نقيض فوق وهو تقصير عن الغاية ثم قال ويقال هذا دون هذا أي أقرب منه والسياق يدل على تفضيل الجنتين الأوليين من عشرة أوجه   أحدها قوله ذواتا أفنان وفيه قولان أحدهما أنه جمع فنن وهو الغصن والثاني أنه جمع فن وهو الصنف أي ذواتا أصناف شتى من الفواكه وغيرها ولم يذكر ذلك في اللتين بعدهما الثاني قوله فيهما عينان تجريان وفي الآخريين فيهما عينان نضاختان والنضاخة هي الفوارة والجارية السارحة وهي أحسن من الفوارة فإنها تتضمن الفوران والجريان الثالث أنه قال فيهما من كل فاكهة زوجان وفي الآخريين فيهما فاكهة ونخل ورمان ولا ريب أن وصف الأوليين أكمل واختلف في هذين الزوجين بعد الاتفاق على أنهما صنفان فقالت طائفة الزوجان الرطب واليابس الذي لا يقصر في فضله وجودته عن الرطب وهو يتمتع به كما يتمتع باليابس وفيه نظر لا يخفى

وقالت طائفة الزوجان صنف معروف وصنف من شكله غريب وقالت طائفة نوعان ولم تزد والظاهر والله أعلم أنه الحلو والحامض والأبيض والأحمر وذلك لأن اختلاف أصناف الفاكهة أعجب واشهى وألذ للعين والفم   الرابع أنه قال متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وهذا تنبية على فضل الظهائر وخطرها وفي الأخريين قال متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان وفسر الرفرف بالمح2ابس والبسط وفسر بالفرش وفسر بالمحابس فوقها وعلى كل قول فلم يصفه بما وصف به فرش الجنتين الأوليين   الخامس أنه قال وجنى الجنتين دان أي قريب وسهل يتناولونه كيف شاؤا ولم يذكر ذلك في الآخريين   السادس أنه قال فيهن قاصرات الطرف أي قد قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يرون غيرهم لرضاهن بهم ومحبتهن لهم وذلك يتضمن قصر أطراف أزواجهن عليهن فلا يدعهم حسنهن أن ينظروا إلى غيرهن وقال في الآخريين حور مقصورات في الخيام ومن قصرت طرفها على زوجها باختيارها أكمل ممن قصرت بغيرها   السابع أنه وصفهن بشبه الياقوت والمرجان في صفاء اللون وأشراقه وحسنه ولم يذكر ذلك في التي بعدها الثامن أنه قال سبحانه وتعالى في الجنتين الأوليين هل جزاء الإحسان إلا الإحسان وهذا يقتضي أن أصحابهما من أهل الاحسان المطكق الكامل فكان جزاؤهم بإحسان كامل التاسع أنه بدأ بوصف الجنتين الأوليين وجعلهما جزءا لمن خاف مقامه وهذا يدل على أنهما أعلى جزاء الخائف لمقامه فرتب الجزاء المذكور على الخوف ترتيب المسبب على سببه ولما كان الخائفون على نوعين مقربين وأصحاب يمين ذكر جنتي المقربين ثم ذكر جنتي أصحاب اليمين   العاشر أنه قال ومن دونهما جنتان والسياق يدل على أنه نقيض فوق كما قال الجوهري فإن قيل فكيف انقسمت هذه الجنان الأربع على من خاف مقام ربه قيل لما كان الخائفون نوعين كما ذكرنا كان للمقربين منهم الجنتان العاليتان ولأصحاب اليمين الجنتان اللتان دونهما فإن قيل فهل الجنتان لمجموع الخائفين يشتركون فيهما أم لكل واحد جنتان وهما البستانان قيل هذا فيه قولان للمفسرين ورجح القول الثاني بوجهين أحدهما من جهة النقل والثاني من جهة المعنى فأما الذي من جهة النقل فإن أصحاب هذا القول رووا عن رسول الله قال هما بستانين في رياض الجنة وأما الذي

من جهة المعنى فإن إحدى الجنتين جزاء أداء الأوامر والثانية جزاء اجتناب المحارم فإن قيل فكيف قال في ذكر النساء فيهن في الموضعين ولما ذكر غيرهن قال فيهما قيل لما ذكر الفرش قال بعدها فيهن خيرات حسان ثم أعاده في الجنتين الأخريين بهذا اللفظ ليتشاكل اللفظ والمعنى والله أعلم
 الباب الثالث والعشرون في خلق الرب تبارك وتعالى بعض الجنان وغرسها
 بيده تفضيلا لها على سائر الجنان   وقد أتخذ الرب وتعالى من الجنان دارا اصطفاها لنفسه وخصها بالقرب من عرشه وغرسها بيده فهي سيدة الجنان والله سبحانه وتعالى يختار من كل نوع أعلاه وأفضله كما اختار من الملائكة جبريل ومن البشر محمدا ومن السموات العليا ومن البلاد مكة ومن الأشهر المحرم ومن الليالي ليلة القدر ومن الأيام يوم الجمعة ومن الليل وسطه ومن الأوقات أوقات الصلاة إلى غير ذلك فهو سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء ويختار وقال الطبراني في معجمه حدثنا مطلب بن شعيب الازدي حدثنا عبد الله بن صالح حدثني الليث قال الطبراني في معجمه وحدثنا أبوو الزنباع روح بن الفرج حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن زياد بن محمد الأنصاري عن محمد بن كعب القرظي عن فضالة بن عبيد عن أبي الدرداء قال قال رسول الله ينزل الله تعالى في آخر ثلاث ساعات يبقين من الليل فينظر الله في الساعة الأولى منهن في الكتاب الذي لا ينظر فيه غيره فيمحو ما يشاء ويثبت ثم ينظر في الساعة الثانية إلى جنة عدن وهي مسكنه الذي يسكن فيه ولا يكون معه فيها أحد إلا الأنبياء والشهداء والصديقون وفيها ما لم تره عين أحد ولا خطر على قلب بشر ثم يهبط آخر ساعة من الليل فيقول ألا مستغفر يستغفرني فأغفر له ألا سائل يسألني فأعطيه ألا داع يدعوني فأستجيب له حتى يطلع الفجر قال تعالى وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا فيشهده الله تعالى وملائكته قال الحسن بن سفيان حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح قال حدثني خالي عبد الرحمن بن عبد الحميد بن سالم حدثنا يحيى بن أيوب عن داود بن ابي هند عن أنس بن مالك أن رسول الله قال إن الله بني الفردوس بيده وحظرها على كل مشرك وكل مدمن خمر ومتكبر وقد ذكر الدارمي والنجار وغيرها من حديث

أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن متكلم فيه عن عون بن عبد الله بن الحارث ابن نوفل عن أخيه عبد الله بن أبيه عبد الله بن الحارث قال قال رسول الله خلق الله ثلاثة أشياء بيده خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس الفردوس بيده ثم قال وعزتي وجلالي لا يدخلها مدمن خمر ولا الديوث قالوا يا رسول الله قد عرفنا مدمن الخمر فما الديوث قال الذي يقر السوء في أهله قلت المحفوظ أنه موقوف قال الدارمي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا عبيد بن مهران حدثنا مجاهد قال قال عبد الله بن عمر خلق الله أربعة أشياء بيده العرش والقلم وعدن وآدم عليه السلام ثم قال لسائر الخلق كن فكان وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن عطاء بن السائب عن ميسرة قال إن الله لم يمس شيئا من خلقه غير ثلاث خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس جنة عدن بيده حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن كعب قال لم يخلق الله بيده غير ثلاث خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس جنة عدن بيده ثم قال لها تكلمي قالت قد أفلح المؤمنون وقال أبو الشيخ حدثنا أبو يعلي حدثنا أبو الربيع حدثنا يعقوب القمي حدثنا حفص بن حميد عن شمر بن عطية قال خلق الله جنة الفردوس بيده فهو يفتحها كل يوم خمس مرات فيقول ازدادي طيبا لأوليائي ازدادي حسنا لأوليائي وذكر الحاكم عنه عن مجاهد قال إن الله تعال غرس جنات عدن بيده فلما تكلمت أغلقت فهي تفتح في كل سحر فينظر الله إليها فتقول قد افلح المؤمنون وذكر البيهقي من حديث البغوي حدثنا يونس بن عبيد الله البصري حدثنا عدي أبن الفضل عن الحريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال قال رسول الله أن الله أحاط حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وغرس عرشها بيده وقال لها تكلمي فقالت قد أفلح المؤمنون فقال طوبى لك منزلة الملوك وقال أبن أبي الدنيا حدثنا محمد بن أبي المثني البزار حدثنا محمد بن زياد الكلبي حدثنا بشير بن حسين عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله خلق الله جنة عدن بيده لبنة من درة بيضاء ولبنة من ياقوته حمراء ولبنة من زبر جدة خضراء بلاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ وحشيشها الزعفران ثم قال لها

أنطقي قالت قد افلح المؤمنون فقال الله عز وجل وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل ثم كلا رسول الله ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وتأمل هذه العناية كيف جعل هذه الجنة التي غرسها بيده لمن خلقه بيده ولأفضل ذريته اعتناء وتشريفا وإظهارا لفضل ما خلقه وبيده وشرفه وميزه بذلك عن غيره وبالله التوفيق فهذه الجنة في الجنات كآدم في نوع الحيوان وقد روى مسلم في صحيحه عن المغيرة بن شعبة عن سعيد عن النبي قال سأل موسى عليه السلام ربه ما أدنى أهل الجنة منزلة قال رجل يجيء بعد ما دخل أهل الجنة الجنة فيقال له أدخل الجنة فيقول رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم فيقال له أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت رب فيقول له لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله فقال في الخامسة رضيت رب قال رب فأعلاهم منزلة قال أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر ومصداقه من كتاب الله فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين
 الباب الرابع والعشرون في ذكر أبواب الجنة وخزنتها واسم مقدمهم ورئيسهم
   قال تعالى وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم والخزنة جمع خازن ومثل حفظة وحافظ وهو المؤتمن على الشيء الذي قد استحفظه وروى مسلم في صحيحه من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله أتى باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن من أنت فأقول محمد فيقول بلى أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك وقد تقدم حديث أبي هريرة المتفق عليه من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب أي فلهلم   قال ابو بكر يا رسول الله ذاك الذي لا توى عليه فقال النبي إني لأرجو أن تكون منهم وفي لفظ هل تدعى أحد من تلك الأبواب كلها قال نعم ارجو أن تكون منهم لما سمعت همته الصديق إلى تكميل مراتب الإيمان

وطمعت نفسه أن يدعي من تلك الأبواب كلها سأل رسول الله هل يحصل ذلك لأحد من الناس ليسعى في العمل الذي ينال به ذلك فخبره بحصوله وبشره بأنه من أهله وكأنه قال هل تكمل لأحد هذه المراتب فيدعي يوم القيامة من أبوابها كلها فلله ما أعلى هذه الهمة وأكبر هذه النفس قد سمى الله سبحانه وتعالى كبير هذه الخزنة رضوان وهو اسم مشتق من الرضا وسمى خازن النار مالكا وهو اسم مشتق من الملك وهو القوة والشدة حيث تصرفت حروفه
 الباب الخامس والعشرون في ذكر اول من يقرع باب الجنة وقد تقدم حديث أنس
 ورواه الطبراني بزيادة فيه قال فيقوم الخازن فيقول لا افتح لأحد قبلك ولا أقوم لأحد بعدك وذلك أن قيامه إليه خاصة اظهارا لمزيته ورتبته ولا يقوم في خدمة أحد بعده بل خزنة الجنة يقومون في خدمته وهو كالملك عليهم وقد أقامه الله في خدمة عبده ورسوله حتى مشي إليه وفتح له الباب وقد روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عنه أنه قال أنا أول من يفتح باب الجنة إلا أن أمرأة تبادرني فاقول لها مالك ومن أنت فتقول أنا امرأة قعدت على يتامى وفي الترمذي من حديث أبن عباس قال جلس ناس من اصحاب النبي ينتظرونه قال فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم فقال بعضهم عجبا أن لله من خلقه خليلا أتخذ إبراهيم خليلا وقال آخر ما ذلك بأعجب من كليمه موسى كلمه تكليما وقال آخر فعيسى كلمه الله وروحه وقال أخر آدم اصطفاه الله فخرج عليهم فسلم وقال سمعت كلامكم وعجبكم إن إبراهيم خليل الله وهو كذلك وكذلك وموسى نجى الله وهو كذلك وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك وآدم اصطفاه الله وهو كذلك ألا وأنا حبيب الله ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر وأنا أول من يحرك حلقة الجنة فيفتح لي فادخلها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا وانا

خطيبهم إذا أنصتوا وقائدهم إذا وفدوا وشافعهم إذا حبسوا وأنا مبشرهم إذا آيسوا لواء الحمد بيدي ومفاتيح الجنة يومئذ بيدي وأنا أكرم ولد آدم يومئذ على ربي ولا فخر يطوف على ألف خادم كأنهم اللؤلؤ المكنون رواه الترمذي والبيهقي واللفظ له وفي + صحيح مسلم + من حديث المختار بن فلفل عن انس قال قال رسول الله أنا أكثر الناس تبعا يوم القيامة وأنا أول من يقرع باب الجنة
 الباب السادس والعشرون في ذكر أول الأمم دخولا الجنة وفي الصحيحين من
 حديث همام بن منبه عن ابي هريرة قال قال رسول الله نحن السابقون الأولون يوم القيامة بيد أنهم أوتو الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم أي لم يسبقونا إلا بهذا القدر فمعنى بيد معني سوى وغيره وإلا ونحوها وفي صحيح مسلم من حديث أبي صالح عن ابي هريرة قال قال رسول الله نحن الأخرون الأولون يوم القيامة ونحن أول من يدخل الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فاختلفوا فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه وفي الصحيحين من حديث طاوس عن أبي هريرة عن النبي قال نحن الآخرون الأولون يوم القيامة نحن أول الناس دخولا الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم وروى الدارقطني من حديث زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب عن رسول الله قال أن الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها وحرمت على الأمم حتى تدخلها أمتي قال الدارقطني غريب عن الزهري ولا أعلم روى عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الزهري غير هذا الحديث ولا رواه إلا عمرو بن ابي سلمة عن زهير فهذه الأمة أسبق الأمم خروجا من الأرض وأسبقهم إلى اعلى مكان في الموقف وأسبقهم إلى ظل العرش وأسبقهم إلى الفصل والقضاء بينهم واسبقهم إلى الجوار على الصراط وأسبقهم إلى دخول الجنة فالجنة محرمة على الأنبياء حتى يدخلها محمد ومحرمة على الأمم حتى تدخلها أمته وأما أول الأمة دخولا فقال أبو داود في سننه حدثنا

هناد بن السرى عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاني عن أبي خالد مولى آل جعدة عن أبي هريرة قال قال رسول الله أتاني جبريل فأخذ بيدي فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي فقال أبو بكر يا رسول الله وددت أني كنت معك حتى أنظر إليه فقال رسول الله أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي وقوله وددت أني كنت معك حرصا منه على زيادة اليقين وإن يصير الخبر عيانا كما قال إبراهيم الخليل يا رب أرني كيف تحي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي وأما الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه حدثنا إسماعيل بن عمر الطلحي أنبأنا داود بن عطاء المديني عن صالح بن كيسان عن أبن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي بن كعب قال قال رسول الله أول من يصالحه الحق عمر وأول من يسلم عليه وأول من يأخذ بيده فيدخله الجنة فهو حديث منكر جدا قال الإمام أحمد داود بن عطاء ليس بشيء وقال البخاري منكر الحديث
 الباب السابع والعشرون في ذكر السابقين من هذه الأمة إلى الجنة وصفتهم
   في الصحيحين من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يتغوطون فيها ولا يتمخطون فيها آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة ومجامرهم الالوة ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقها من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض عن قلوبهم على قلب رجل واحد يسبحون الله بكرة وعشيا وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي زرعة عن ابي هريرة قال قال رسول الله أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء أضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا ينتفلون ولا ينمخطون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الالوة وأزواجهم الحور العين أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء وروى شعبة بن قيس عن حبيب عن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن

أبن عباس قال قال رسول الله أول من يدعي إلى الجنة يوم القيامة الحامدون الذين يحمدون الله في السراء والضراء وقال الأمام أحمد حدثنا إسماعيل عن إبراهيم حدثنا هشام الدستوائي عن يحي بن أبي كثير عن عامر العقيلي عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله عرض علي أول ثلاثة من امتي يدخلون الجنة وأول ثلاثة يدخلون النار فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة فالشبيد وعبد مملوك لم يشغله رق الدنيا عن طاعة ربه وفقير متعفف ذو عيال وأول ثلاثة يدخلون النار فأمير مسلط وذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله من ماله وفقير فخور وروى الأمام أحمد في مسنده والطبراني في معجمه واللفظ له من حديث أبي عشلة المعافري انه سمع عبد الله أبن عمر يقول قال رسول الله هل تدرون أول من يدخل الجنة قالوا الله ورسوله أعلم قال فقراء المهاجرين الذين تنقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء تقول الملائكة ربنا نحن ملائكتك وخزنتك وسكان سمواتك لا تدخلهم الجنة قبلنا فيقول عبادي لا يشركون بي شيئا تتقي بهم المكاره يموت أحدهم وحاجته في صدره لم يستطع لها قضاء فعند ذلك تدخل عليهم الملائكة من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار ولما ذكر الله تعالى أصناف بني آدم سعيدهم وشقيهم قسم سعيدهم إلى قسمين سابقين وأصحاب يمين فقال والسابقون السابقون واختلف في تقريرها على ثلاثة أقوال   أحدها أنه من باب التوكيد اللفظي ويكون الخبر قوله أولئك المقربون   والثاني أن يكون السابقون الأول مبتدأ والثاني خبر له على حد قولك زيد زيد اي الذي سمعت به هو زيد كما قال   أنا أبو النجم وشعري شعري وكقول الأخر   إذ الناس ناس والزمان زمان قال ابن عطية وهذا قول سيبويه   والثالث أن يكون الأول غير الثاني ويكون المعنى السابقون في الدنيا إلى الخيرات هم السابقون يوم القيامة إلى الجنات والسابقون إلى الإيمان هم السابقون إلى الجنان وهذا اظهر والله أعلم فإن قيل فما تقول في الحديث الذي رواه الأمام أحمد والترمذي وصححه من حديث بريدة بن الحصيب قال أصبح رسول الله فدعا بلال فقال يا بلال بم سبقتني إلى الجنة فما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي ودخلت البارحة فسمعت

خشخشتك امامي فأتيت على قصر مريع مشرف من ذهب فقلت لمن هذا القصر قالوا لرجل من أمة محمد قلت أنا محمد لمن هذا القصر قالوا لعمر أبن الخطاب فقال بلال يا رسول الله ما أذنت قط إلا وصليت ركعتين وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها ورأيت أن لله على ركعتين فقال رسول الله فبذلك قيل نتلقاه بالقبول والتصديق ولا يدل على أن أحدا يسبق رسول الله فبذلك قيل نتلقاه بالقبول والتصديق ولا يدل على أن أحدا يسبق رسول الله إلى الجنة وأما تقدم بلال بين يدي رسول الله في الجنة فلأن بلالا كان يدعوا إلى الله أولا بالأذان فيتقدم أذانه بين يدي النبي فتقدم دخوله بين يديه كالحاجب والخادم وقد روى في حديث أن النبي يبعث يوم القيامة وبلال بين يديه ينادي بالأذان فتقدمه بين يديه كرامة لرسوله وأطهارا لشرفه وفضله لا سبقا من بلال بل هذا السبق من جنس سبقه إلى الوضوء ودخول المسجد ونحوه والله أعلم
 الباب الثامن والعشرون في سبق الفقراء الأغنياء إلى الجنة قال الأمام
 أحمد حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قال يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم يوم وهو خمسمائة عام وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ورجال إسناده احتج بهم مسلم في صحيحه   وروى الترمذي من حديث ابن عباس الدوري عن المقبري عن سعيد بن أبي أيوب عن عمرو بن جابر الحضرمي عن جابر بن عبد الله عن النبي أنه قال يدخل فقراء أمتي الجنة قبل الأغنياء بأربعين خريفا وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله يقول فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفا وقال الأمام أحمد حدثنا حسين بن محمد حدثنا دويد عن سليم بن بشير عن عكرمة عن أبن عباس قال قال رسول الله التقى مؤمنان على باب الجنة مؤمن غني ومؤمن فقير كانا في الدنيا فأدخل الفقير الجنة وحبس الغني ما شاء الله أن يحبس ثم أدخل الجنة فلقيه الفقير فقال أي أخي ماذ حبسك والله لقد احتبست حتى خفت عليك فيقول

أي أخي أني حبست بعدك محبسا فظيعا كريها ما وصلت إليك حتى سال مني العرق ما لو ورده ألف بعير كلها أكله حمض لصدرت عنه وقال الطبراني حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي وعلي بن عبد الله الرازي قالا حدثنا على بن مهران العطار حدثنا عبد الملك بن أبي كريمة عن سفيان الثوري عن محمد بن زيد عن أبي حازم عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله يقول أن فقراء المؤمنين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم وذلك خمسمائة عام وذكر الحديث بطوله والذي في الصحيح أن سبقهم لهم بأربعين خريفا فأما أن يكون هو المحفوظ وإما أن يكون كلاهما محفوظا وتختلف مدة السبق بحسب احوال الفقراء والأغنياء فمنهم من يسبق بأربعين ومنهم من يسبق بخمسمائة كما يتأخر مكث العصاة من الموحدين في النار بحسب أحوالهم والله أعلم ولكن عنها ههنا أمر يجب التنبيه عليه وهو أنه لا يلزم من سبقهم لهم في الدخول ارتفاع منازلهم عليهم بل قد يكون المتأخر أعلى منزلة وأن سبقه غيره في الدخول والدليل على هذا أن من الأمة من يدخل الجنة بغير حساب وهم السبعون ألفا وقد يكون بعض من يحاسب أفضل من أكثرهم والغني إذا حوسب على غناه فوجد قد شكر الله تعالى فيه وتقرب إليه بأنواع البر والخير والصدقة والمعروف كان أعلى درجة من الفقير الذي سبقه في الدخول ولم يكن له تلك الأعمال ولا سيما إذا شاركه الغني في أعماله وزاد عليه فيها والله لا يضيع أجر من أحسن عملا فالمزية مزيتان مزية سبق ومزية رفعة وقد يجتمعان وينفردان فيحصل الواحد السبق والرفعة ويعدمهما آخر ويحصل لآخر السبق دون الرفعة ولآخر الرفعة دون السبق وهذا بحسب المقتضى للأمرين أو لأحدهما وعدمه وبالله التوفيق
 الباب التاسع والعشرون في ذكر أصناف أهل الجنة الذين ضمنت لهم دون غيرهم
   قال تعالى وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم

^ يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين ^ فأخبر أنه أعد الجنة للمتقين دون غيرهم ثم ذكر أوصاف المتقين فذكر بذلهم للإحسان في حالة العسر واليسر والشدة والرخاء فإن من الناس من يبذل في حال اليسر والرخاء ولا يبذل في حال العسر والشدة ثم ذكر كيف أذاهم عن الناس بحبس الغيظ بالكظم وحبس الانتقام بالعفو ثم ذكر حالهم بينهم وبين ربهم في ذنوبهم وأنها إذا صارت منهم قابلوها بذكر الله والتوبة والاستغفار وترك الإضرار فهذا حالهم مع الله وذاك حالهم مع خلقه وقال تعالى والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم فأخبر تعالى أنه أعدها للمهاجرين والأنصار وأتباعهم بإحسان فلا مطمع لمن خرج عن طريقتهم فيها وقال تعالى إنما المؤمنين الذين ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم فوصفهم بإقامة حقه باطنا وظاهرا وبأداء حق عباده وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما كان يوم حنين أقبل نفر من صحابة النبي فقالوا فلان شهيد وفلان شهيد وفلان شهيد حتى مروا على رجل فقالوا فلان شهيد فقال رسول الله كلا أني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة ثم قال رسول الله يا أبن الخطاب اذهب فناد في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون قال فخرجت فناديت إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون وللبخاري معناه وفي الصحيحن من حديث ابي هريرة أن رسول الله أمر بلالا ينادي في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وفي بعض طرقه مؤمنة وفي الحديث قصة وفي صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار المجاشعى أن رسول الله قال ذات يوم في خطبته ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني من يومي هذا كل مال تحلته عبد حلال وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم فحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم

وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وقال إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرأه نائما ويقظان وإن الله أمرني أن أحرق قريشا فقلت رب إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة قال استخرجهم كما أخرجوك واغزهم نعنك وأنفق فسينفق عليك وأبعث جيشا نبعث خمسة مثله وقاتل بمن أطاعك من عصاك قال واهل الجنة ثلائة ذو سلطان مقسط متصدق موفق ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم وعفيف متعفف ذو عيال وأهل النار خمسة الضعيف الذي لا زير له الذين هم فيكم تبعالا يبغون فيكم أهلا ولا مال والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانة ورجل لا يصبح ولا يمسى إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك وذكر البخل أو الكذب والشنظير الفحاش وأن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد وفي الصحيحين من حديث حارثة أبن وهب قال سمعت النبي يقول ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضعف لو اقسم على الله لابره ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواخا متكبر وقال الأمام أحمد حدثنا علي بن إسحق قال أنبأنا عبد الله أنبأنا موسى بن علي بن رباح قال سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي قال أن اهل النار كل جعظري جواظ مستكبر جماع مناع وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون وذكر خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة النبي في الجنة والصديق في الجنة والشهيد في الجنة والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله في الجنة ونساؤكم من أهل الجنة الودود الولود التي إذا غضب أو غضبت جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها ثم تقول لا أذوق غمضا حتى ترضى أخرج النسائي من هذا الحديث فضل النساء خاصة وباقي الحديث على شرطه وروى الأمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي قال أن أهل النار كل جعظري جواظ متكبر جماع مناع وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون وقال ابن ماجه في سننه حدثنا محمد بن يحيى وزيد بن أخرم قالا أنبأنا مسلم بن إبراهيم حدثتنا أبو هلال للراسي حدثنا عقبة بن أبي ثبيت الراسي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال قال رسول الله أن

أهل الجنة من ملأ أذنيه من ثناء الناس خيرا وهو يسمع وأهل النار من ملأ أذنيه من ثناء الناس شرا وهو يسمع وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال مر بجنازة فأثنى عليها خير فقال نبي الله وجبت وجبت ومر بجنازة فأثنى عليها فقال وجبت وجبت وجبت فقال عمر فداك أبي وأمي مر بجنازة فأثنى عليها خيرا فقال وجبت وجبت وجبت وجبت ومر بجنازة فأثنى عليها شر فقلت وجبت وجبت وجبت فقال رسول الله من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار وأنتم شهداء الله في الأرض وفي الحديث الآخر يوشك أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار قالوا كيف يا رسول الله قال بالثناء الحسن وبالثناء السيء وبالجملة فأهل الجنة أربعة أصناف ذكرهم الله سبحانه وتعالى في قوله ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا فنسأل الله أن يجعلنا منهم بمنه وكرمه
 الباب الثلاثون في أن أكثر أهل الجنة هم أمة محمد في الصحيحين من
 حديث عبد الله بن مسعود قال قال أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبرنا ثم قال أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبرنا ثم قال أني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة وسأخبركم عن ذلك ما المسلمون في الكفار إلا كشعرة بيضاء في ثور أسود أو كشعرة سوداء في ثور أبيض هذا لفظ مسلم وعند البخاري وكشعرة سوداء في ثور أبيض بغير ألف وعن بريدة بن الحصيب قال قال أهل الجنة عشرون ومائة صف هذه الأمة منها ثمانون صفا رواه الامام أحمد والترمذي وإسناده على شرط الصحيح رواه الطبراني في معجمه من حديث عبد الله بن عباس وفي إسناده خالد بن يزيد البجلي وقد تكلم فيه ورواه أيضا من حديث القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال قال كيف أنتم وربع الجنة لكم ولسائر الناس ثلاثة أرباعها قالوا الله ورسوله أعلم قال كيف أنتم وثلثها قالوا ذاك أكثر قال كيف أنتم والشطر لكم قالوا ذاك أكثر فقال رسول الله

وسلم أهل الجنة عشرون ومائة صف لكم منها ثمانون صفا قال الطبراني لم ير و هذا الحديث عن القاسم بن عبد الرحمن إلا الحرث بن خضيرة تفرد به عبد الواحد بن زياد وقال عبد الله بن أحمد حدثنا موسى بن غيلان بن هاشم بن مخلد حدثنا عبد الله بن المبارك عن سفيان عن أبي عمرو عن أبيه عن أبي هريرة قال لما نزلت ثلة من الأولين وثلة من الأخرين قال رسول الله أنتم ربع أهل الجنة أنتم ثلث أهل الجنة أنتم نصف أهل الجنة أنتم ثلثا أهل الجنة قال الطبراني تفرد برفعه ابن المبارك عن الثوري وقال خثيمة بن سليمان القرشي حدثنا أبو قلابة هو عبد الملك بن محمد بن بكار الصيرفي حدثنا حماد بن عيسى حدثنا سفيان الثوري عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي قال أهل الجنة عشرون ومائة صف أنتم منها ثمانون صفا وهذه الأحاديث قد تعددت طرقها واختلفت مخارجها وصح سند بعضها ولا تنافي بينها وبين حديث الشطر لأنه رجا أولا أن يكونوا شطر أهل الجنة فأعطاه الله سبحانه رجاءه وزاد عليه سدسا أخر وقد روى أحمد في مسنده من حديث أبي الزبير أنه سمع جابرا يقول سمعت رسول الله يقول أرجو أن يكون من يتبعني من أمتي يوم القيامة ربع أهل الجنة قال فكبرنا ثم قال فأرجو أن تكونوا الشطر وإسناده على شرط مسلم
 الباب الحادي والثلاثون في أن النساء في الجنة أكثر من الرجال وكذلك هم
 في النار   ثبت في الصحيحين من حديث أيوب بن محمد بن سيرين قال أما تفاخروا وأما تذاكروا الرجال أكثر في الجنة الرجال أم النساء فقال أبو هريرة ألم يقل أبو القاسم أن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والتي تليها على أضواء كوكب دري في السماء لكل امرئ منهم زوجتان أثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم وما في الجنة عزب فإن كن من نساء الدنيا فالنساء في الدنيا أكثر من الرجال وإن كن من الحور العين لم يلزم أن يكن في الدنيا أكثر والظاهر أنهن من الحور العين لما رواه الامام أحمد حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة حدثنا يونس عن محمد بن سيرين عن

أبي هريرة عن النبي للرجال من أهل الجنة زوجتان من الحور العين على كل واحدة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء الثياب فإن قيل فكيف تجمعون بين هذا الحديث وبين حديث جابر المتفق عليه شهدت مع رسول الله العيد صلى قبل أن يخطب بغير أذان ولا إقامة ثم خطب بعد ما صلى فوعظ الناس وذكرهم ثم أتى النساء فوعظهن ومعه بلال فذكرهن وأمرهن بالصدقة قال فجعلت المرأة تلقى خاتمها وخرصها والشيء كذلك فأمر النبي بلالا فجمع ما هناك قال أن منكن في الجنة ليسير فقالت امرأة يا رسول الله لم قال أنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير وفي الحديث الآخر أن أقل ساكني الجنة النساء قيل هذا يدل على انهن إنما كن في الجنة أكثر بالحور العين التي خلقن في الجنة وأقل ساكنيها نساء الدنيا فنساء الدنيا أقل أهل الجنة وأكثر أهل النار أما كونهن أكثر أهل النار أما كونهن أكثر أهل النار فلما روى البخاري في صحيحه من حديث عمران بن حصين قال بلغني أن رسول الله قال اطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء واطلعت في الجنةة فرأيت أكثر أهلها الفقراء وفي صحيح مسلمم عن ابن عباس قال قال رسول الله في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء وروى الأمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله أطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء واطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء وفي المسند أيضا من حديث عبد الله بن عمر قال قال رسول الله أطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء وأطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها الأغنياء والنساء وفي الصحيح من حديث أبن عمر عن رسول الله قال يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فأني رأيتكن أكثر أهل النار فقالت امرأة منهن خدلة وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار فقال تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن قالت يا رسول الله وما نقصان العقل والدين قال أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل

بشهادة رجل فهذا نقصان العقل وتمكث الأيام لا تصلي وتفطر فهذا نقصان الدين وأما كونهن أقل أهل الجنة فهي إفراد مسلم عن مطرف بن عبد الله أنه كانت له امرأتان فجاء من عند إحداهما فقالت الأخرى جئت من عند فلانة فقال جئت من عند عمران بن حصين فحدثنا أن رسول الله قال أن أقل ساكني الجنة النساء فإن قيل فما تصنعون بالحديث الذي رواه أبو يعلي الموصلي حدثنا عمرو بن الضحاك بن مخلد حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد حدثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع عن محمد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة قال قال رسول الله وهو في طائفة من أصحابه فذكر حديثا طويلا وفيه فيدخل الرجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله تعالى وثنتين من ولد آدم لهما فضل على من أنشأ الله بعبادتهما الله في الدنيا وذكر الحديث قيل هذا قطعة من حديث الصور الطويل ولا يعرف إلا من حديث إسماعيل بن رافع وقد ضعفه أحمد ويحيى وجماعة وقال الدارقطني وغيره متروك الحديث وقال أبن عدي أحاديثه كلها مما فيه نظر وأما البخاري فقال فيه ما حكاه الترمذي عنه قال سمعت محمدا يقول فيه هو ثقة مقارب الحديث قلت ولكن إذا روى مثل هذا ما يخالف الأحاديث الصحيحة لم يلتفت إلى روايته وأيضا فالرجل الذي روى عنه القرظي لا يدري من هو وقد روى عنه أحمد في مسنده من حديث عمارة بن خزيمة بن ثابت قال كنا مع عمرو بن العاص في حج أو عمرة حتى إذا كنا بمر الظهران فإذا امرأة في هودجها قال فمال فدخل الشعب فدخلنا معه فقال كنا مع رسول الله في هذا المكان فإذا نحن بغربان كثيرة فيها غراب أعصم أحمر المنقار والرجلين فقال رسول الله لا يدخل الجنة من النساء إلا مثل هذا الغراب في هذه الغربان والأعصم من الغربان الذي في جناحه ريشة بيضاء قال الجوهري ويقال هذا كقولهم إلا باق العقوق وبيض الأنوق لكل شيء يعز وجوده وفي النهاية الغراب الأعصم هو الأبيض الجناحين وقيل الأبيض الرجل أراد قلة من يدخل الجنة من النساء لأن هذا الوصف في الغربان قليل عزيز وفي حديث آخر المرأة الصالحة مثل الغراب الأعصم قيل وما الغراب الأعصم يا رسول الله قال

الذي إحدى رجليه بيضاء وفي حديث آخر عائشة في النساء كالغراب الأعصم في الغربان


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Share to:

إرسال تعليق