كتاب حادى الأرواح الى بلاد الأفراح الجزء الثالث

العنوان حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح
المؤلف ابن قيم الجوزية
نبذه عن الكتاب

ساق المؤلف كتابه هذا في صفات الجنة ونعيمها وصفات أهلها وساكنيها مستنداً في كل ما يذكره إلى الأحاديث المرفوعة، والآثار الموقوفة، والأسرار المودعة في كثير من الآيات، واسم الكتاب يطابق مسماه "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" ولفظه يوافق معناه، فهو عند لسان كل عبد مؤمن وقلبه.
وقصد في ذلك بشارة المؤمنين بما أعد الله لهم في الجنة منهم المستحقون للبشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة. وقد قسمه ضمن سبعين باباً. وهذا بعض ما جاء في عناوين هذه الأبواب: في بيان وجود الجنة، في اختلاف الناس في الجنة التي أسكنها آدم هل هي جنة الخلود أم جنة الأرض... في ذكر عدد أبواب الجنة، في مكان الجنة... في مفتاح الجنة... في طلب الجنة أهلها من ربهم وشفاعتها فيهم وطلبهم لها... في عدد الجنان وأنواعها... في ذكر بوابيها وخازنيها، في ذكر أول من يقرع باب الجنة، في ذكر أول الأمم دخولاً إلى الجنة... في ذكر سبق الفقراء والأغنياء إلى الجنة... في ذكر أصناف أهل الجنة التي ضُمنت لهم دون غيرهم... في ذكر آخر أهل الجنة دخولاً إليها.

---------------------------------------------------------------------
الجزء الثالــــث
-----------
الباب الرابع و الخمسون
   في ذكر المادة التي خلق منها الحور العين و ما ذكر فيها من الاثار و ذكر صفاتهم و معرفتهن اليوم بازواجهن   فاما المادة التي خلق منها الحور العين فقد روى البيهقي من حديث الحارث بن خليفة حدثنا شعبة حدثنا اسماعيل بن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن انس بن مالك عن النبي انه قال الحور العين خلقن من الزعفران قال البيهقي و هذا منكر بهذا الاسناد لا يصح عن ابن علية قلت و لكنه حديث فيه شعبة و قال الطبراني حدثنا احمد بن رشدين حدثنا عن ابن الحسن بن هارون الانصاري حدثني الليث بن ابنة الليث عن ابي سليم قال حدثتني عائشة بنت يونس امراة الليث بن ابي سليم عن ليث بن ابي سليم عن مجاهد عن ابي امامة عن النبي قال خلق الحور العين من الزعفران قال الطبراني لا يروى الا بهذا الاسناد تفرد به علي بن الحسن بن هارون قلت و قد رواه اسحق بن راهويه عن عائشة بنت يونس قالت سمعت زوجي ليث بن سليم يحدث عن مجاهد فذكره مرفوعا اليه و هو اشبه بالصواب ورواه عقبة بن مكرم عن عبد الله بن زياد عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قوله و لا يصح رفع الحديث و حسبه ان يصل إلى ابن عباس و قال ابو سلمى عن ابن عبد الرحمن ان لولي الله في الجنة عروسا لم يلدها ادم و لا حواء و لكن خلقت من زعفران وهذا مروي عن صاحبين و هما ابن عباس و انس و عن تابعيين و هما ابو سلمى ومجاهد وبكل حال فهي من المنشات في الجنة ليست مولودات بين الاباء والامهات والله اعلم وقد رواه الطبراني من حديث عبد الله بن زخر عن علي بن زيد عن الهيثم عن ابي امامة عن النبي و هذا الاسناد لا يحتج به و رواه أبو نعيم حدثنا علي بن محمد الطوسي حدثنا علي بن سعيد حدثنا محمد بن اسماعيل الحساني حدثنا منصور بن المهاجر حدثنا ابو منصور الابار عن انس يرفعه لو ان حوراء بصقت في سبعة ابحر لعذبت البحار من عذوبة فمها و خلق الحور العين من


الزعفران واذا كانت هذه الخلقة الادمية التي هي من احسن الصور وأجملها مادتها من تراب وجاءت الصور من احسن الصور فما الظن بصورة مخلوقة من مادة الزعفران الذي هناك فالله المستعان وقد روى ابو نعيم من حديث عيسى بن يوسف بن الطباع حدثنا حلس بن محمد الكلابي حدثنا سفيان الثوري حدثنا مغيرة حدثنا إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله يسطع نور في الجنة فرفعوا رؤوسهم فاذا هو من ثغر حوراء ضحكت في وجه زوجها روى نعمة بن الوليد حدثنا مجبر بن سعيد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة قال ان من المزيد من تمر السحابة بأهل الجنة فتقول ماذا تريدون ان انطركم فلا يتمنون شيئا الا انطروا قال يقول كثير لئن أشهدني الله ذلك لأقولن انطرينا جواري مزينات و قد روى في مادة خلقهن صفة اخرى قال ابن ابي الدنيا حدثنا خالد بن سعيد عن خداش حدثنا عبد الله بن وهب حدثنا سعيد بن ايوب عن عقيل بن خالد عن الزهري ان ابن عباس قال ان في الجنة نهرا يقال له البيدخ عليه قباب من ياقوت تحته حور ناشئات يقول أهل الجنة انطلقوا بنا إلى البيدخ فيجيئون فيتصفحون تلك الحواري فاذا اعجب رجل منهم جارية مس معصمها فتتبعه و قال الليث بن سعد عن يزيد بن ابي حبيب عن الوليد بن عبدة قال قال رسول الله لجبريل يا جبريل قف بي على الحور العين فاوقفه عليهن فقال من انتن فقلنا نحن حواري قوم كرام حلوا فلم يظعنوا شبوا فلم يهرموا ونقوا فلم يدرنوا وقال ابن المبارك انبأنا يحيى عن ايوب عن عبد الله بن زخر عن خالد بن عمران عن ابن عباس قال كنا جلوسا مع كعب يوما فقال لو ان يدا من الحور دليت من السماء لاضاءت لنا الأرض كما تضيء الشمس لأهل الدنيا ثم قال انما قلت يدها فكيف بالوجه و بياضه و حسنه و جماله و في مسند الامام احمد من حديث كثير بن مرة عن معاذ بن جبل عن النبي قال لا تؤذي امراة زوجها في الدنيا الا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قاتلك الله فإنما هو عندك دخيل يوشك ان يفارقك الينا وفيه مراسيل عكرمة عن النبي قال ان الحور العين لاكثر عددا من كن يدعون لازواجهن يقلن اللهم اعنه على دينك واقبل بقلبه على طاعتك و بلغه بعزتك يا ارحم الراحمين ذكره ابن ابي الدنيا عن حديث اسامة بن زيد عن عطاء عنه

وذكر الاوزاعي عن حسان بن عطية عن ابن مسعود قال ان في الجنة حوراء يقال لها اللعبة كل حور الجنان يعجبن بها يضربن بايديهن على كتفها و يقلن طوبى لك يا لعبة لو يعلم الطالبون لك لجدوا بين عينيها مكتوب من كان يبتغي ان يكون له مثلي فليعمل برضاء ربي وقال عطاء السلمي لمالك بن دينار يا ابا يحيى شوقنا قال عطاء ان في الجنة حوراء يتباهى أهل الجنة بحسنها لولا ان الله تعالى كتب لها على أهل الجنة ان لا يموتوا لماتوا من حسنها فلم يزل عطاء كمدا من قول مالك و قال احمد بن ابي الحواري حدثني جعفر بن محمد قال لقي حكيم حكيما فقال اتشتاق إلى الحور العين فقال لا فقال فاشتق اليهن فان نور وجههن من نور الله عز و جل فغشي عليه فحمل إلى منزله نعوده شهرا و قال ربيعة بن كلثوم نظر الينا الحسن و نحن حوله شباب فقال يا معشر الشباب اما تشتاقون إلى الحور العين و قال لي ابن ابي الحوارى حدثني الحضرمي قال نمت انا و ابو حمزة على سطح فجعلت انظر اليه يتقلب على فرشه إلى الصباح فقلت يا ابا حمزة ما رقدت الليلة فقال اني لما اضطجعت تمثلت لي حوراء حتى لكانني احسست بجلدها و قد مس جلدي فحدثت به ابا سليمان فقال هذا رجل كان مشتاقا و قال ابن ابي الحوارى سمعت ابا سليمان يقول ينشا خلق الحور العين انشاء فاذا تكامل خلقهن ضرب عليهن الملائكة الخيام و ذكر ابن ابي الدنيا عن صالح المري عن زيد الرقاشي قال بلغني ان نورا سطع في الجنة موضع من الجنة الا دخل من ذلك النور فيه فقيل ما هذا قال حوراء ضحكت في وجه زوجها قال صالح فشهق رجل من ناحية المجلس فلم يزل يشهق حتى مات و قال ابن ابي الدنيا حدثنا بشر بن الوليد حدثنا سعيد بن رزبي عن عبد الملك الجوني عن سعيد بن جبير قال سمعت ابن عباس يقول لو ان حوراء اخرجت كفها بين السماء والأرض لافتتن الخلائق بحسنها و لو اخرجت نصيفها لكانت الشمس عند حسنها مثل الفتيله في الشمس لا ضوء لها ولو اخرجت وجهها لأضاء حسنها ما بين السماء و الأرض و قال ابن ابي الدنيا حدثني الحسين ابن يحيى و كثير العنبري و حدثنا خزيمة ابو محمد عن سفيان الثوري قال سطع نور في الجنة لم يبق موضع من الجنة الا دخل فيه من ذلك النور فنظروا فوجدوا ذلك من حوراء ضحكت في وجه زوجها و رواه الخطيب في تاريخه من حديث عبد الله بن محمد الكرخي قال حدثني عيسى بن يوسف الطباع

حدثني حلس بن محمد عن سفيان الثوري عن مغيرة عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي قال سطع نور في الجنة فرفعوا ابصارهم فاذا هو ثغر حوراء ضحكت في وجه زوجها و قال الاوزاعي عن يحيى بن ابي كثير اذا سبحت المراة من الحور العين لم يبق شجرة في الجنة الا وردت وقال ابن المبارك حدثنا الاوزاعي عن يحيى بن ابي كثير ان الحور العين يتلقين ازواجهن عند ابواب الجنة فيقلن طال ما انتظرناكم فنحن الراضيات فلا نسخط و المقيمات فلا نظعن و الخالدات فلا نموت باحسن اصوات سمعت و تقول انت حبي و انا حبك ليس دونك تقصير و لا وراءك معدل الباب الخامس الخمسون   في ذكر نكاح أهل الجنة ووطئهم والتذاذهم بذلك اكمل لذة و نزاهة ذلك عن المذي و المني و الضعف و انه لا يوجب غسلا   قد تقدم حديث ابي هريرة قيل يا رسول الله انفضى إلى نسائنا في الجنة فقال ان الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء و ان اسناده صحيح و تقدم حديث ابي موسى المتفق عليه صحته ان للمؤمن في الجنة خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا له فيها أهلون يطوف عليهم وحديث انس يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا و كذا من النساء و صححه الترمذي وروى الطبراني وعبد الله بن احمد و غيرهما من حديث لقيط بن عامر انه قال يا رسول الله على ما يطلع من الجنة قال على انهار من عسل مصفى وأنهار من كأس ما بها صداع ولا ندامة وانهار من لبن لم يتغير طعمه و ماء غير اسن و فاكهة لعمر الهك مما تعلمون و خير من مثله و ازواج مطهرة قلت يا رسول الله او لنا فيها ازواج مصلحات قال الصالحات للصالحين تلذذوا بهن لذاتكم في الدنيا و تلذذكم غير ان لا توالد و قال ابن وهب اخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن ابي حجيرة عن ابي هريرة عن رسول الله انه قال يا رسول الله انطا في الجنة قال نعم و الذي نفسي بيده دحما دحما فاذا قام عنها رجعت مطهرة بكرا و قال الطبراني حدثنا ابراهيم بن جابر الفقيه حدثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي الواسطي حدثنا يعلى بن عبد الرحمن الواسطي حدثنا شريك عن عاصم الاحول عن ابي المتوكل عن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله ان أهل الجنة اذا جامعوا نساءهم عدن ابكارا قال الطبراني لم

يروه عن عاصم الا شريك تفرد به عن يعلى قال الطبراني وحدثنا عبدان بن احمد حدثنا محمد بن عبد الرحيم البرقي حدثنا عمرو بن ابي سلمة حدثنا صدقة عن هاشم بن زيد عن سليم بن ابي يحيى انه سمع ابا امامة يحدث انه سمع رسول الله و سئل هل يتناكح اهل الجنة قال بذكر لا يمل و شهوة لا تنقطع دخما دخما قال الطبراني و حدثنا احمد بن يحيى الحلواني حدثنا سويد بن سعيد حدثنا خالد بن يزيد بن ابي مالك عن ابيه عن خالد بن معدان عن ابي امامة ان رسول الله سئل ايجامع أهل الجنة قال دحا دحا و لكن لا مني و لا منية و هاشم و خالد و ان تكلم فيهما فليس الاعتماد عليهما و قوله لا منى و لا منية أي لا انزال و لا موت و قال ابو نعيم حدثنا ابو على محمد بن احمد حدثنا بشر بن موسى حدثنا ابو عبد الرحمن المقريء حدثنا عبد الحمن بن زياد حدثنا عمارة بن راشد عن ابي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله انه سئل هل يمس أهل الجنة ازواجهم قال نعم و الذي بعثني بالحق بذكر لا يمل و فرج لا يحفى و شهوة لا تنقطع و قال الحسن بن سفيان في مسنده حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عثمان بن ابي العاتكة عن علي بن زيد عن القاسم عن ابي امامة قال سئل رسول الله هل ينكح أهل الجنة قال أي و الذي بعثني بالحق دحما دحما و اشار بيده و لكن لا مني و لا منية و قال سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن عمرو عن عكرمة في قوله تعالى ان اصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون قال في افتضاض الابكار و قال عبد الله بن احمد حدثنا ابو الربيع الزهراني و محمد بن حميد قالا حدثنا يعقوب ابن عبد الله حدثنا حفص بن حميد عن بشر بن عطية عن شفيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود في قوله ان اصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون قال شغلهم افتضاض العذاري وقال الحاكم أنبانا الأصم أنبانا العباس بن الوليد أخبرني شعيب عن الأوزاعي في قوله تعالى ان اصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون قال شغلهم افتضاض الابكار قال مقاتل شغلوا بافتضاض العذارى عن أهل النار فلا يذكرونهم ولا يهتمون لهم و قال ابو الاحوص شغلوا بافتضاض الابكار عن السرر في الحجال و قال سليمان التيمي عن ابي مجلز قلت لابن عباس عن قول الله تعالى ان اصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون ما شغلهم قال افتضاض الابكار و قال ابن ابي الدنيا حدثنا فضيل بن عبد الواحد حدثنا يزيد بن زريع عن سليمان التيمي عن ابي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس في شغل فاكهون قال في افتضاض العذارى حدثنا اسحاق

ابن ابراهيم حدثنا يحيى بن يمان عن اشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير ان شهوته لتجري في جسده سبعين عاما يجد اللذة و لا يلحقهم بذلك جنابة فيحتاجون إلى التطهير و لا ضعف و لا انحلال قوة بل وطئهم وطء التذاذ و نعيم لا افة فيه بوجه من الوجوه و اكمل الناس فيه اصونهم لنفسه في هذه 8الدار عن الحرام فكما ان من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الاخرة و من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الاخرة و من اكل في صحاف الذهب و الفضة في الدنيا لم ياكل فيها في الاخرة كما قال النبي انها لهم في الدنيا و لكم في الاخرة فمن استوفى طيباته و لذاته و اذهبها في هذه الدار حرمها هناك كما نعى سبحانه و تعالى على من اذهب طيباته في الدنيا واستمتع بها و لهذا كان الصحابة و من تبعهم يخافون من ذلك اشد الخوف و ذكر الامام احمد عن جابر بن عبد الله انه رآه عمر و معه لحم قد اشتراه لأهله بدرهم فقال ما هذا قال لحم اشتريته لأهلي بدرهم فقال او كلما اشتهى احدكم شيئا اشتراه اما سمعت الله تعالى يقول اذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا و استمتعتم بها و قال الامام احمد حدثنا عفان حدثنا جرير بن حازم قال حدثنا الحسن قال قدم وفد أهل البصرة مع ابي موسى على عمر فكنا ندخل عليه كل يوم و له خبز ثلاثة و ربما وافقناها مأدومة بالسمن وربما وافقناها مأدومة بالسمن وربما وافقناها مأدومة بالزيت وربما وافقناها مأدومة باللبن وربما وافقناها القلائد اليابسة قد دقت ثم اغلى بها و ربما وافقناها اللحم العريض و هو قليل فقال ذات يوم اني و الله قد ارى تقذيركم و كراهيتكم لطعامي اني و الله لو شئت لكنت من اطيبكم طعاما و ارقكم عيشا و لكني سمعت رسول الله يقول عير قوما بأمر فعلوه فقال اذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا و استمتعتم بها فمن ترك اللذة المحرمة لله استوفاها يوم القيامة اكمل ما تكون و من استوفاها هنا حرمها هناك او نقص كمالها فلا يجعل الله لذة من اوضع في معاصيه و محارمه كلذة من ترك شهوته لله ابدا و الله اعلم
 الباب السادس و الخمسون
   في ذكر اختلاف الناس هل في الجنة حمل و ولادة ام لا   قال الترمذي في جامعه حدثنا بندار حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني ابي عن عامر الاحول عن ابي الصديق الناجي عن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله

المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله و وضعه و سنه في ساعة كما يشتهي قال هذا حديث حسن غريب و قد اختلف أهل العلم في هذا فقال بعضهم في الجنة جماع و لا يكون ولد هكذا روى عن طاووس و مجاهد و إبراهيم النخعي و قال محمد يعني البخاري قال اسحاق بن إبراهيم في حديث النبي إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة كان في ساعة كما يشتهي و لكن لا يشتهي قال محمد و قد روى عن أبي ذر بن العقيلي عن النبي قال أن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد و أبو الصديق الناجي اسمه بكر بن عمرو و يقال بكر بن قيس انتهى كلام الترمذي قلت إسناد حديث أبي سعيد على شرط الصحيح فرجاله محتج بهم فيه و لكنه غريب جدا و تأويل إسحاق فيه نظر فانه قال إذا اشتهى المؤمن الولد و إذا للمتحقق الوقوع و لو أريد ما ذكره من المعنى لقال لو اشتهى المؤمن الولد لكان حمله في ساعة فان ما لا يكون أحق بأداة لو كما أن المتحقق الوقوع أحق بأداة إذا و قد قال أبو نعيم حدثنا عبدان بن احمد حدثنا أحمد بن اسحاق حدثنا أبو احمد الزبيري حدثنا سفيان الثوري عن إبان عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال قيل يا رسول الله أيولد لأهل الجنة فإن الولد من تمام السرور فقال نعم و الذي نفسي بيده و ما هو الا كقدر ما يتمنى احدكم فيكون حمله و رضاعه و شبابه حدثنا ابو الحسن علي بن ابراهيم بن احمد الرازي بمكة حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن ادريس حدثنا سليمان بن داود القزاز حدثنا يحيى بن حفص الاسدي قال سمعت ابا عمرو بن العلاء يحدث عن جعفر بن ثور العبدي عن ابي الصديق الناجي عن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله ان الرجل من أهل الجنة ليولد له كما يشتهي فيكون حمله و فصاله و شبابه في ساعة واحدة و حديث معاذ بن هشام قال فيه بندار عامر الاحول و قال عمرو بن علي عاصم الاحول و قال الحاكم انبانا الاصم حدثنا محمد بن عيسى حدثنا سلام بن سليمان حدثنا سلام الطويل عن زيد العمى عن ابي الصديق الناجي عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه يرفعه ان الرجل من أهل الجنة ليشتهي الولد في الجنة فيكون حمله و فصاله و شبابه في ساعة واحدة قال البيهقي و هذا اسناد ضعيف بمرة و اما حديث ابي رزين الذي اشار اليه البخاري فهو حديثه الطويل و نحن نسوقه بطوله نجمل به كتابنا فعليه من الجلالة و المهابة و نور النبوة ما ينادى على صحته قال عبد الله

168 ابن الامام احمد في مسند ابيه كتب إلى ابراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة عن مصعب بن زبير الزبيري كتبت اليك بهذا الحديث و قد عرضته و سمعته على ما كتبت به اليك فحدث به عني حدثنا عبد الرحمن بن المغيرة الخزامي حدثني عبد الرحمن بن عابس المسمعي الانصاري من بني عمرو بن عوف عن دلهم بن الاسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي عن ابيه عن عمه لقيط بن عامر قال دلهم و حدثنيه ابو الاسود عن عاصم بن لقيط ان لقيطا خرج وافدا إلى رسول الله و معه صاحب له يقال له نهيك ابن عاصم بن مالك بن المنتفق قال لقيط فخرجت انا و صاحبي حتى قدمنا على رسول الله حين انصرف من صلاة الغداة فقام في الناس خطيبا فقال الا ايها الناس اني قد خبات لكم صوتي منذ اربعة ايام الا لاسمعنكم الا فهل من امرئ بعثه قومه فقالوا له اعلم لنا ما يقول رسول الله الا ثم لعله ان يلهيه حديث نفسه او حديث صاحبه او يلهيه الضلال الا اني مسئول الا هل بلغت الا اسمعوا تعيشوا الا اجلسوا الا اجلسوا قال فجلس الناس و قمت انا و صاحبي حتى اذا فرغ لنا فؤاده و بصره قلت يا رسول الله ما عندك من علم الغيب فضحك لعمر الله و هز رأسه و علم اني ابتغي سقطه فقال ضن ربك بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمهن الا الله و اشار بيده قلت و ما هي قال علم المنية قد علم متى منية احدكم و لا تعلمونه و علم ما في غد ما انت طاعم غدا و لا تعلمونه و علم يوم الغيث يوم يشرف عليكم اذلين مشفقين فيظل يضحك قد علم ان غيركم إلى القريب قال لقيط قلت لن نعدم من رب يضحك خيرا و علم يوم الساعة قلت يا رسول الله علمنا مما تعلم الناس وما تعلم فانا من قبيل لا يصدقون تصديقنا احد من مذحج التي تربوا علينا و خثعم التي توالينا و عشيرتنا التي نحن منها قال تلبثون ما لبثتم ثم يتوفى نبيكم ثم تلبثون ما لبثتم ثم تبعث الصائحة لعمر الهك لا تدع على ظهرها شيئا الا مات و الملائكة الذين مع ربك عز و جل فاصبح ربك يطوف في الأرضين و خلت عليه البلاد فارسل ربك السماء تهضب من عند العرش فلعمر الهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل و لا مدفن ميت الا شقت القبر عنه حتى يخلقه من عند رأسه فيستوي جالسا فيقول ربك مهيم لما كان فيه يقول يا رب امتني اليوم و لعهده بالحياة عشية تحسبه

حديثنا بأهله فقلت يا رسول الله كيف كيف يجمعنا بعدما تمزقنا الرياح و البلى و السباع فقال انبئك بمثل ذلك في الاء الله الأرض اشرفت عليها و هي مدرة بالية فقلت لا تحيا ابدا ثم ارسل ربك عليها السماء فلم تبلث عليك الا اياما حتى اشرفت عليها و هي شرية واحدة و لعمر الهك لهو اقدر على ان يجمعهم من الماء على ان يجمع نبات الأرض فيخرجون من الاضواء و من مصارعهم فتنظرون اليه و ينظر اليكم قال قلت يا رسول الله فكيف و نحن ملء الأرض وهو شخص واحد ينظر الينا و ننظر اليه قال انبئك بمثل ذلك في الاء الله الشمس و القمر اية منه صغيرة ترونها و يريانكم ساعة واحدة لا تضارون في رؤيتهما و لعمر الهك لهو اقدر على ان يراكم و ترونه منها قلت يا رسول الله فما يفعل بنا ربنا اذا لقيناه قال تعرضون عليه بادية له صفحاتكم لا تخفى عليه منكم خافية فياخذ ربك عز و جل بيده غرفة من ماء فينضح قبلكم بها فلعمر الهك ما يخطئ وجه احد منكم منها قطرة فاما المسلم فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء و أما الكافر فتخطم وجهه بمثل الحمم الاسود الا ثم ينصرف نبيكم رسول الله و ينصرف على اثره الصالحون فيسلكون جسرا من النار فيطا احدكم الجمرة فيقول حس فيقول ربك أو إنه فيطلعون على حوض الرسول على اظماء والله ناهله قط رأيتها فلعمر ربك ما يبسط واحد منكم يده الا وقعه عليها قدح مطهرة من الطوف و البول و الاذى و تحبس الشمس و القمر فلا ترون منهما واحدا قال قلت يا رسول الله فبم نبصر قال بمثل بصرك ساعتك هذه و ذلك من طلوع الشمس في يوم اشرقته الأرض ثم واجهته الجبال قال قلت يا رسول الله فبم نجزى من حسناتنا وسيئاتنا قال الحسنة بعشر امثالها و السيئة بمثلها الا ان يعفو قال قلت يا رسول الله ما الجنة ما النار قال لعمر الهك ان للنار سبعة ابواب ما منهن بابان الا يسير الراكب بينهما سبعين عاما و ان للجنة ثمانية ابواب ما منهن

بابان الا يسير الراكب بينهما سبعين عاما قال قلت يا رسول الله فعلا ما نطلع من الجنة قال على انهار من عسل مصفى و انهار من كاس ما بها من صداع و لا ندامة و انهار من لبن لم يتغير طعمه و ماء غير اسن و بفاكهة لعمر الهك مما تعدون و خير من مثله معه وازواج مطهرة قلت يا رسول الله و لنا فيها ازواج او منهن صالحات قال الصالحات للصالحين تلذون بهن مثل لذاتكم في الدنيا و يلذذن بكم غير ان لا توالد قال لقيط فقلت اقصي ما نحن بالغون و منتهون اليه فلم يجبه النبي فقلت يا رسول الله علاما ابايعك فبسط النبي يده و قال على اقام الصلاة و ايتاء الزكاة و ان لا تشرك بالله الها غيره قال قلت و ان لنا ما بين المشرق و المغرب فقبض النبي يده و بسط اصابعه و ظن اني مشترط شيئا لا يعطينه قال قلت نحن منهما حيث شئنا و لا يجبني على امرئ الا نفسه فبسط يده و قال ذلك لك تحل حيث شئت و لا يجني عليك الا نفسك قال فانصرفنا و قال هذان ذين ها ان ذين لعمر الهك ان حدثت الا انهما من اتقى الناس في الاولى و الاخرة فقال له كعب بن الجدارية اخو بني بكر بن كلاب من هم يا رسول الله قال بنو المنتفق أهل ذلك قال فانصرفنا و اقبلت عليه فقلت يا رسول الله هل لاحد مما مضى من خبر في جاهليتهم قال قال رجل من عرض قريش و الله ان اباك المنتفق لفي النار قال فلكأنه قد وقع جزء من جلدي و وجهي و لحمي مما قال لابي على رؤوس الناس فهممت ان اقول و ابوك يا رسول الله ثم اذا الاخرى اجمل فقلت يا رسول الله و أهلك قال و أهلي لعمر الله ما اتيت عليه من قبر عامري او قرشي من مشرك فقل ارسلني اليك محمد فابشرك بما يسوءك تجر على وجهكم و بطنك في النار قال قلت يا رسول الله ما فعل الله بهم ذلك و قد كانوا على عمل لا يحسنون الا اياه و كانوا يحسبونهم مصلحين قال ذلك بان الله عز و جل بعث في اخر كل سمع امم نبيا فمن عصى نبيه كان من الضالين و من اطاع نبيه كان من المهتدين هذا حديث كبير مشهور و لا يعرف الا من حديث ابي القاسم عن عبد الرحمن بن المغيره بن عبد الرحمن المدني ثم من رواية ابراهيم بن حمزة الزبيري المدني عنه و هما من كبار علماء المدينة ثقتان يحتج بهما في الحديث احتج بهما الامام محمد بن اسماعيل البخاري و روى عنهما في مواضع من كتابه رواه ائمة الحديث في كتبهم منهم ابو عبد الرحمن بن عبد الله بن

الامام احمد و ابو بكر احمد بن عمرو بن ابي العاصم و ابو القاسم الطبراني و ابو الشيخ الحافظ و ابو عبد الله بن منده و الحافظ و ابو بكر احمد بن موسى بن مردويه و الحافظ ابو نعيم الاصفهاني و غيرهم على سبيل القبول و التسليم قال الحافظ ابو عبد الله بن منده روى هذا الحديث محمد بن اسحاق الصنعاني و عبد الله بن احمد بن حنبل و غيرهما و قراؤه بالعراق بمجمع العلماء و أهل الدين فلم ينكره احد منهم و لم يتكلم في اسناده و كذلك ابو زرعة و ابو حاتم على سبيل القبول و قال ابو الخير بن حمدان هذا حديث كبير ثابت مشهور و سألت شيخنا ابا الحجاج المري عنه فقال عليه جلالة النبوة و قال نفاة الايلاذ فهذا حديث صريح في انتفاء الولادة و قوله اذا اشتهى معلق بالشرط و لا يلزم من التعليق وقوع المعلق ولا المعلق به واذا و ان كانت ظاهرة في المحقق فقد تستعمل لمجرد التعليق الاعم من المحقق و غيره قالوا و في هذا الموضع يتعين ذلك لوجوه احدها حديث ابن رزين الثاني قوله تعالى و لهم فيها ازواج مطهرة و هن اللاتي طهرن من الحيض و النفاس و الاذى قال سفيان انبأنا ابن ابي نجيح عن مجاهد مطهرة من الحيض و الغائط و البول و النخام و البصاق و المني و الولد و قال أبو معاوية حدثنا ابن جريج عن عطاء ازواج مطهرة قال من الولد و الحيض و الغائط و البول الثالث قوله غير انه لا مني و لا منية و قد تقدم و الولد انما يخلق من ماء الرجل فاذا لم يكن هناك مني و لا مذي و لا نفخ في الفرج لم يكن هناك ايلاد الرابع انه قد ثبت في الصحيح عن النبي انه قال يبقى في الجنة فضل فينشئ الله لها خلقا يسكنهم اياها و لو كان في جنة ايلاد لكان الفضل لأولادهم وكانوا أحق بهم من غيرهم الخامس ان الله سبحانه جعل الحمل و الولادة مع الحيض و المنى فلو كانت النساء يحبلن في الجنة لم ينقطع عنهن الحيض و الانزال السادس تن الله سبحانه و تعالى قدر التناسل في الدنيا لانه قدر الموت و اخرجهم إلى هذه الدار قرنا بعد قرن و جعل لهم امدا ينتهون اليه فلولا التناسل لبطل النوع الانساني و لهذا الملائكة لا تتناسل فانهم لا يموتون كما تموت الانس و الجنم فاذا كان يوم القيامة اخرج الله سبحانه و تعالى الناس كلهم من الأرض و انشاهم للبقاء لا للموت فلا يحتاجون إلى تناسل يحفظ النوع الانساني اذ هو منشأ للبقاء و الدوام فلا أهل الجنة يتناسلون و لا أهل النار

السابع انه سبحانه و تعالى قال و الذين امنوا واتبعناهم ذرياتهم بايمان الحقنا بهم ذرياتهم فاخبر سبحانه انه يكرمهم بالحاق ذرياتهم الذين كانوا لهم بهم في الدنيا و لو كان ينشأ لهم في الجنة ذرية اخرى لذكرهم كما ذكر ذرياتهم الذين كانوا في الدنيا لان قرة اعينهم كانت تكون بهم كما هي بذرياتهم من اهل الدنيا الثامن انه اما ان يقال باستمرار التناسل فيها لا إلى غاية او إلى غاية ثم تنقطع وكلاهما مما لا سبيل الى القول به لاستلزام الاول اجتماع اشخاص لا تتناهى واستلزام الثاني انقطاع نوع من لذة أهل الجنة وسرورهم وهو محال و لا يمكن ان يقال بتناسل بموت معه نسل و يخلفه نسل اذ لا موت هناك التاسع ان الجنة لا ينموا فيها الانسان كما ينموا في الدنيا فلا ولدان أهلها ينمون و يكبرون و لا الرجال ينمون كما تقدم بل هؤلاء ولدان صغار لا يتغيرون و هؤلاء ابناء ثلاث و ثلاثين لا يتغيرون فلو كان في الجنة ولادة لكان المولود ينموا ضرورة حتى يصير رجلا و معلوم ان من مات من الاطفال يردون ابناء ثلاث و ثلاثين من غير نمو يوضحه الوجه العاشر ان الله سبحانه و تعالى ينشئ أهل الجنة نشاة الملائكة او اكمل من نشأتهم بحيث لا يبولون و لا يتغوطون و لا ينامون و يلهمون التسبيح و لا يهرمون على تطاول الاحقاب و لا تنموا ابداهنهم بل القدر الذي جعلوا عليه لازم لهم ابدا و الله اعلم فهذا ما في المسالة فاما قول بعضهم ان القدرة صالحة و الكل ممكن و قول اخرين ان الجنة دار المكلفين التي يستحقونها بالعمل و امثال هذه المباحث فرخيصة و هي في كتب الناس و بالله التوفيق قال الحاكم قال الاستاذ ابو سهل أهل الزيغ ينكرون هذا الحديث يعني حديث الولادة في الجنة و قد روى فيه غير اسناد و سئل النبي عن ذلك فقال يكون ذلك على نحو مما روينا والله سبحانه و تعالى يقول و فيها ما تشتهيه الانفس و تلذ الاعين و ليس بالمستحيل ان يشتهي المؤمن الممكن من شهواته المصفى المقرب المسلط على لذاته قرة عين و ثمرة فؤاد من الذين انعم الله عليهم بازواج مطهرة فان قيل ففي الحديث انهن لا يحضن و لا ينفسن فاين يكون الولد قلت الحيض سبب الولادة الممتد مدة بالحمل على الكثرة و الوضع عليه كما ان جميع بلاد الدنيا من المشارب و المطاعم و الملابس على ما عرف من التعب و النصب و ما يعقبه كل منهما مما يحذر منه و يخاف من عواقبه

و هذه خمرة الدنيا المحرمة المستولية على كل بلية قد اعدها الله تعالى لأهل الجنة منزوعة البلية موفرة اللذة فلم لا يجوز ان يكون على مثله الولد انتهى كلامه قلت النافون للولادة في الجنة لم ينفوها لزيغ قلوبهم و لكن لحديث ابي رزين غير ان لا توالد و قد حكينا من قول عطاء و غيره انهن مطهارات من الحيض و الولد و قد حكى الترمذي عن أهل العلم من السلف و الخلف في ذلك قولين وقد حكى الترمذي عن أهل العلم من السلف و الخلف في ذلك قولين و حكى قول ابي اسحق بانكاره و قال ابو امامة في حديثه غير ان لا مني و لا منية و الجنة ليست دار تناسبل بل دار بقاء و خلد لا يموت من فيها فيقوم نسله مقامه و حديث ابي سعيد الخدري هذا اجود اسانيده اسناد الترمذي و قد حكم بغرابته و انه لا يعرف الا من حديث ابي الصديق الناجي و قد اضطرب لفظه فتارة يروى عنه اذا اشتهى الولد و تارة انه ليشتهي الولد و تارة ان الرجل من أهل الجنة ليولد له فالله اعلم فان كان رسول الله قد قاله فهو الحق الذي لا شك فيه و هذه الالفاظ لا تنافي بينها و لا تناقض و حديث ابي رزين غير ان لا توالد اذ ذاك نفى للتوالد المعهود في الدنيا و لا ينفي ولادة حمل الولد فيها و وضعه و سنه و شبابه في ساعة واحدة فهذا ما انتهى اليه علمنا القاصر في هذه المسالة و قد اتينا فيها بما لعلك لا تجده في غير هذا الكتاب و الله اعلم
 الباب السابع و الخمسون
   في ذكر سماع الجنة و غناء الحور العين و ما فيه من الطرب و اللذة   قال تعالى و يوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فاما اللذين امنوا و عملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون قال محمد بن جرير حدثني محمد بن موسى الحرشي قال حدثنا عامر بن نساف قال سالت يحيى بن ابي كثير عن قوله عز و جل فهم في روضة يحبرون قال الحبرة اللذة و السماع حدثنا عبد الله بن محمد الفريابي حدثنا ضمرة بن ربيعة عن الاوزاعي عن يحيى بن ابي كثير في قوله يحبرون قال السماع في الجنة و لا يخالف هذا قول ابن عباس يكرمون و قال مجاهد و قتادة ينعمون فلذة الاذن بالسماع من الحبرة و النعيم و قال الترمذي حدثنا هناد و احمد بن منيع قالا حدثنا عبد الرحمن بن اسحق عن النعمان بن سعد عن علي قال قال رسول الله ان في الجنة

لمجتمعا للحور العين يرفعن باصوات لم تسمع الخلائق بمثلها يقلن نحن الخالدات فلا نبيد و نحن الناعمات فلا نبأس و نحن الراضيات فلا نسخط طوبى لمن كان لنا و كنا له و في الباب عن ابي هريرة و ابي سعيد وانس و حديث على حديث غريب قلت و في الباب عن ابن ابي اوفى و ابي امامة و عبد الله بن عمر ايضا فاما حديث ابي هريرة فقال جعفر الفريابي حدثنا سعد بن حفص حدثنا محمد بن مسلمة عن ابي عبد الرحمن عن زيد بن ابي انيسة عن المنهال بن عمرو عن ابي صالح عن ابي هريرة قال ان في الجنة نهرا طول الجنة حافتاه العذارى قيام متقابلات يغنين باصوات حتى يسمعها الخلائق ما يرون في الجنة لذة مثلها فقلنا يا ابا هريرة و ما ذاك الغناء قال ان شاء الله التسبيح و التحميد و التقديس و ثناء على الرب عز و جل هكذا رواه موقوفا و روى لابو نعيم في صفة الجنة من حديث مسلمة ابن علي عن زيد بن واقد عن رجل عن ابي هريرة قال قال رسول الله ان في الجنة شجرة جذوعها من ذهب و فروعها من زبرجد و لؤلؤ فتهب لها ريح فيصطفقن فما سمع السامعون بصوت شيء قط الذ منه و اما حديث انس فقال ابو نعيم انبانا عبد الله بن جعفر حدثنا اسماعيل بن عبد الله حدثنا عبد الرحمن بن ابراهيم حدثنا ابن ابي فديك عن ابن ابي ذئب عن عون بن الحطاب عن عبد الله بن رافع عن ابي الاسن عن انس قال قال رسول الله ان الحور العين يغنين في الجنة يقلن نحن الحور الحسان خلقن لازواج كرام و رواه ابن ابي الدنيا حدثنا ابو خيثمة حدثنا اسماعيل بن عمر حدثنا ابن ابي ذئب عن ابي عبد الله بن رافع عن بعض ولد انس فذكره و اما حديث ابن ابي اوفى فقال ابو نعيم حدثنا محمد بن جعفر من اصله حدثنا موسى بن هارون حدثنا حامد بن يحيى البلخي حدثنا يونس بن محمد المؤدب حدثنا الوليد بن ابي ثور و حدثني سعد الطائي عن عبد الرحمن بن سابط عن ابن ابي اوفى قال قال رسول الله يزوج كل واحد من أهل الجنة اربعة الاف بكر و ثمانية الاف ايم و مائة حوراء فيجتمعن في كل سبعة ايام فيقلن باصوات حسان لم تسمع الخلائق بمثلهن نحن الخالدات فلا نبيد و نحن الناعمات فلا نبأس و نحن الراضيات فلا نسخط و نحن المقيمات فلا نظعن طوبى لمن كان لنا و كنا له و اما حديث ابي امامة فقال جعفر

الفريابي حدثنا سليمان بن عبد الرحمن حدثنا خالد بن يزيد عن ابي مالك عن ابيهخ عن خالد بن معدان عن ابي امامة عن رسول الله قال ما من عبد يدخل الجنة الا و يجلس عند راسه و عند رجليه ثنتان من الحور العين يغنيانه باحسن صوت سمعه الانس و الجن و ليس بمزامير الشيطان و اما حديث ابن عمر فقال الطبراني حدثنا ابو رفاعة عمارة بن وثيمة بن موسى بن الفرات المصري حدثنا سعيد بن ابي مريم حدثنا محمد بن جعفر بن ابي كثير عن زيد ابن اسلم عن ابن عمر قال قال رسول الله ان ازواج أهل الجنة ليغنين لازواجهن باحسن اصوات ما سمعها احد قط ان مما يغنين به نحن الخيرات الحسان ازواج قوم كرام ينظرون بقرة اعين و ان مما يغنين به نحن الخالدات فلا نمتنه نحن الآمنات فلا نخفنه نحن المقيمات فلا نظعنه قال الطبراني لم يروه عن زيد بن اسلم الا محمد تفرد به بن ابي مريم و قال ابن وهب حدثني سعيد ابن ابي ايوب قال و قال رجل من قريش لابن شهاب هل في الجنة سماع فانه حبب الي السماع فقال أي و الذي نفس ابن شهاب بيده ان في الجنة لشجرا حمله اللؤلؤ و الزبرجد تحته جوار ناهدات يتغنين بالوان يقلن نحن الناعمات فلا نبأس و نحن الخالدات فلا نموت يتغنين بالوان فاذا سمع ذلك الشجر صفق بعضه بعضا فاجبن الحواري فلا ندري اصوات الحواري احسن ام اصوات الشجر قال ابن وهب و حدثنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد ان الحور العين يغنين ازواجهن فيقلن نحن الخيرات الحسان ازواج شباب كرام و نحن الخالدات فلا نموت ونحن الناعمات فلا نبأس ونحن الراضيات فلا نسخط ونحن المقيمات فلا نطعن في صدر احداهن مكتوب انت حبي و انا حبك انتهت نفسي عندك لم تر عيناني مثلك و قال ابن المبارك حدثنا الاوزاعي حدثنا يحيى بن ابي كثير ان الحور العين يتلقين اوزواجهن عند ابواب الجنة فيقلن طالما انتظرناكم فنحن الراضيات فلا نسخط و المقيمات فلا نظعن و الخالدات فلا نموت باحسن اصوات و تقول انت حبي و انا حبك ليس دونك مقصر و لا وراءك معد فصل و لهم سماع اعلى من هذا   قال ابن ابي الدنيا حدثني دهثم بن الفضل القرشي حدثنا

الاوزاعي قال بلغني انه ليس من خلق الله احسن صوتا من اسرافيل فيامره الله تبارك و تعالى فياخذ في السماع فما يبقى ملك في السماوات الا قطع عليه صلاته فيمكث بذلك ما شاء الله ان يمكث فيقول الله عز و جل و عزتي و جلالي لو يعلم العباد قدر عظمتي ما عبدوا غيري و حدثني داود بن عمر الضيبي حدثنا عبد الله ابن المبارك عن مالك بن انس عن محمد بن المنكدر قال اذا كان يوم القيامة نادى مناد اين الذين كانوا ينزهون اسماعهم و انفسهم عن مجالس اللهو و مزامير الشيطان اسكنوهم رياض المسك ثم يقول للملائكة اسمعوهم تمجيدي و تحميدي و قال ابن ابي الدنيا حدثني محمد بن الحسن حدثني عبد الله بن ابي بكر حدثنا جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار في قوله عز و جل و ان له عندنا لزلفى و حسن مآب قال اذا كان يوم القيامة امر بمنبر رفيع فوضع في الجنة ثم نودي يا داود مجدني بذلك الصوت الحسن الرخيم الذي كنت تمجدني به في دار الدنيا قال فيستفرغ صوت داود نعيم أهل الجنان فذلك قوله تعالى و ان له عندنا لزلفى و حسن ماب و ذكر حماد بن سلمة عن ثابت البناني و حجاج الاسود عن شهر بن حوشب قال ان الله جل ثناؤه يقول للملائكة ان عبادي كانوا يحبون الصوت الحسن في الدنيا فيدعونه من اجلي فاسمعوا عبادي فياخذوا باصوات من تهليل و تسبيح و تكبير لم يسمعوا بمثله قط و قال عبد الله بن الامام احمد في كتاب الزهد لابيه حدثني علي بن مسلم الطوسي حدثني سيار حدثنا جعفر حدثنا مالك بن دينار في قوله عز و جل و ان له عندنا لزلفى و حسن ماب قال يقيم الله سبحانه داود عند ساق العرش فيقول يا داود مجدني اليوم بذلك الصوت الحسن الرخيم فيقول الهي كيف امجدك و قد سلبتنيه في دار الدنيا قال فيقول الله عز و جل فاني ارده عليك قال فيرده عليه فيزداد صوته قال فيستفرغ صوت داود نعيم أهل الجنة و قال ابن ابي الدنيا حدثنا مسلم بن ابراهيم الحراني حدثنا مسكين بن بكير عن الاوزاعي عن عبيدة بن ابي لبابة قال ان في الجنة شجرة ثمرها زبرجد و ياقوت و لؤلؤ فيبعث الله ريحا فتصفق فتسمع لها اصوات لم يسمع الذ منها حدثنا أبو بكر بن يزيد وابراهيم بن سعيد قالا حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا رفعة بن صالح عن سلمة بن زهرام عن عكرمة عن ابن عباس قال في الجنة شجرة على ساق قدر ما يسير الراكب في ظلها مائة عام فيتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم فيذكر لهو الدنيا فيرسل الله ريحا من الجنة فتحرك تلك

الشجرة بكل لهو كان في الدنيا حدثنا ابراهيم بن سعيد حدثنا ابراهيم بن سعيد حدثنا علي بن عاصم حدثني سعيد بن سعيد الحارثي قال حدثت ان في الجنة اجاما من قصب من ذهب حملها اللؤلؤ فاذا اشتهى أهل الجنة يسمعوا صوتا حسنا بعث الله على تلك الاجام ريحا فتاتيهم بكل صوت يشتهونه فصل   و لهم سماع اعلى من هذا يضمحل دونه كل سماع و ذلك حين يسمعون كلام الرب جل جلاله و خطابه و سلامه عليهم و محاضرته لم و يقرا عليهم كلامه فاذا سمعوه منه فكانهم لم يسمعوه قبل ذلك و سيمر بك ايها السني من الاحاديث الصحاح و الحسان في ذلك ما هو من احب سماع لك في الدنيا و الذ لاذنك و اقر لعينك اذ ليس في الجنة لذة اعظم من النظر الى وجه الرب تعالى و سماع كلامه منه و لا يعطى أهل الجنة شيئا احب اليهم من ذلك و قد ذكر ابو الشيخ عن صالح بن حبان عن عبد الله بن بريدة قال ان أهل الجنة يدخلون كل يوم مرتين على الجبار جل جلاله فيقرا عليهم القران و قد جلس كل امرئ منهم مجلسه الذي هو مجلسه على منابر الدر و الياقوت و الزبرجد و الذهب و الزمرد فلم تقر اعينهم بشيء و لم يسمعوا شيئا قط اعظم و لا احسن منه ثم ينصرفون الى رحالهم ناعمين قريرة اعينهم الى مثلها من الغد
 الباب الثامن و الخمسون
   في ذكر مطايا أهل الجنة و خيولهم و مراكبهم   قال الترمذي حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن حدثنا عاصم بن علي حدثنا المسعودي عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن ابيه ان رجلا سال النبي فقال يا رسول الله هل في الجنة من خيل قال ان ادخلك الله الجنة فلا تشاء ان تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء يطير بك في الجنة حيث شئت قال و سأله رجل فقال يا رسول الله هل في الجنة من ابل قال فلم يقل ما قال لصاحبه قال ان ادخلك الله الحنه يكن لك فيها ما اشتهت نفسك و لذت عينك حدثنا سويد بن نصر انبانا عبد الله بن المبارك عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي نحوه

بمعناه و هذا اصح من حديث المسعودي حدثنا محمد بن اسماعيل بن سمرة الاحمسي حدثنا ابو معاوية عن واصل بن السائب عن ابي سورة عن ابي ايوب قال اتى النبي اعرابي فقال يا رسول الله اني احب الخيل افي في الجنة خيل قال رسول الله اذا دخلت الجنة اتيت بفرس من ياقوتة له جناحان فحملت عليه ثم طار بك حيث شئت قال الترمذي هذا حديث اسناده ليسي بالقوي و لا نعرفه من حديث ابي ايوب الا من هذا الوجه و ابو سورة هو ابن اخي ابي ايوب يضعف في الحديث ضعفه ابن معين جدا و سمعت محمد بن اسماعيل يقول ابو سورة هذا منكر الحديث يروي مناكير عن ابي ايوب لا يتابع عليه قلت اما حديث علقمة بن مرثد فقد اضطرب فيه علقمة فمرة يقول عن سليمان بن بريدة عن ابيه و مرة يقول عن عبد الرحمن بن سابط عن عهمير بن ساعدة قال كنت احب الخيل فقلت هل في الجنة خيل يا رسول الله و مرة يقول قال رجل من الانصار يقال له عمير بن ساعدة يا رسول الله و مرة يقول عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي و الترمذي جعل هذا اصح من حديث المسعودي لان سفيان احفظ منه و اثبت و قد رواه ابو نعيم من حديث علقمة هذا فقال عن ابي صالح عن ابي هريرة ان اعرابيا قال يا رسول الله افي الجنة ابل قال يا اعرابي ان يدخلك الله الجنة رايت فيها ما تشتهي نفسك و تلذ عينك و رواه أيضا من حديث علقمة عن يحيى ابن اسحق عن عطاء بن يسار عن ابي هريرة قال قال رسول الله و ذكر الجنة فقال و الفردوس اعلاها سموا و اوسعها منه محلا و منها تفجر انهار الجنة و عليها يوضع العرش يوم القيامة فقام إليه رجل فقال يا رسول الله اني رجل حبب الي الخيل فهل في الجنة خيل قال أي و الذي نفسي بيده ان في الجنة لخيلا و ابلا هفافة تزف بين خلال ورق الجنة يتزاورون عليها حيث شاؤوا فقام اليه رجل فقال يا رسول الله اني حبب الي الابل و ذكر الحديث و اما حديث ابي سورة فلا يعرف الا من حديث واصل بن السائب عنه لم يروه عنه غيره و غير يحيى بن جابر الطائي و قد اخرج له ابو داود حديث ستفتح عليكم الامصار و تجندون اجنادا و اخرج له ابن ماجة عن ابي ايوب رايت النبي توضا فخلل لحيته و حديثا اخر في تفسير قوله تعالى حتى تستانسوا و اخرج له الترمذي حديث خيل الجنة فقط و رواه ابو نعيم من حديث جابر بن نوح عن واصل به و قال ان أهل الجنة ليتزاورون

على نجائب بيض كانها الياقوت و ليس في الجنة من البهائم الا الخيل و الابل و قال ابو الشيخ حدثنا القاسم بن زكريا حدثنا سويد بن سعيد حدثنا مروان ابن معاوية عن ابي الحكم عن ابي خالد عن الحسن البصري عن جابر بن عبد الله عن النبي قال اذا دخل أهل الجنة الجنة جائتهم خيول من ياقوت احمر لها اجنحة لا تبول و لا تروث فقعدوا عليها ثم طارت بهم في الجنة فيتجلى لهم الجبار فاذا راوه خروا سجدا فيقول لهم الجبار تعالى ارفعوا رؤوسكم فان هذا ليس يوم عمل انما هو يوم نعيم و كرامة فيرفعون رؤوسهم فيمطر الله عليهم طيبا فيمرون بكثبان المسك فيبعث الله على تلك الكثبان ريحا فتهيجها عليهم حتى انهم ليرجعوا الى أهليهم و انهم لشعث غبر و قال عبد الله بن المبارك حدثنا همام عن قتادة عن عبد الله بن عمرو و قال في الجنة عتاق الخيل و كرائم النجائب
 الباب التاسع و الخمسون
   في زيارة أهل الجنة بعضهم بعضا و تذاكرهم ما كان بينهم في الدنيا   قال تعالى و اقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم اني كان لي قرين يقول ائنك لمن المصدقين ائذا متنا و كنا ترابا وعظاما ائنا لمدينون قال هل انتم مطلعون فاطلع فراه في سواء الجحيم قال تالله ان كدت لتردين و لولا نعمة ربي لكنت من المحضرين فاخبر الله سبحانه و تعالى ان أهل الجنة اقبل بعضهم على بعض يتحدثون و يسأل بعضهم بعضا عن احوال كانت في الدنيا فافضت بهم المحادثة و المذاكرة الى ان قال قائل منهم اني كان لي قرين في الدنيا ينكر البعث و الدار الاخرة و يقول ما حكاه الله عنه يقول ائنك لمن المصدقين بانا نبعث و نجازى باعمالنا و نحاسب بها بعد ان مزقنا البلى و كنا ترابا و عظاما ثم يقول المؤمن لاخوانه في الجنة هل انتم مطلعون في النار لننظر منزلة قريني هذا و ما صار اليه هذا اظهر الاقوال و فيها قولان اخران احدهما ان الملائكة تقول لهؤلاء المتذاكرين الذين يحدث بعضهم بعضا هل انتم مطلعون رواه عطاء عن ابن عباس و الثاني انه من قوله الله عز و جل لأهل الجنة يقول لهم هل انتم مطلعون والصحيح القول الاول و ان هذا قول المؤمن لاصحابه و محادثيه و السياق كله و الاخبار عنه و عن حال قرينه قال كعب بين الجنة و النار كوى فاذا اراد المؤمن ان ينظر الى عدو كان له في الدنيا

اطلع من بعض تلك الكوى و قوله فاطلع أي اشرف قال مقاتل لما قال لأهل الجنة هل انتم مطلعون قالوا له انت اعرف به منا فاطلع انت فاشرف فراى قرينه في سواء الجحيم و لولا ان الله عرفه اياه لما عرفه لقد تغير وجهه و لونه و غيره العذاب اشد تغيير فعندها قال الله ان كدت لتردين و لولا نعمة ربي لكنت من المحضرين أي ان كدت لتهلكني ولولا أن أنعم الله علي بنعمته لكنت من المحضرين معك في العذاب و قال تعالى و اقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا انا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا و وقانا عذاب السموم انا كنا من قبل ندعوه انه هو البر الرحيم و قال الطبراني حدثنا الحسن ابن اسحاق حدثنا سهل بن عثمان حدثنا المسيب بن شريك عن بشر بن نمير عن القاسم عن ابي امامة قال سئل رسول الله ايتزاور أهل الجنة قال يزور الاعلى الاسفل و لا يزور الاسفل الاعلى الا الذين يتحابون في الله يأتون منها حيث شاؤوا على النوق محتقبين الحشايا و قال الدورقي حدثنا ابو سلمة التبوذكي حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال بلغنا ان أهل الجنة يزور الاعلى الاسفل و لا يزور الاسفل الاعلى و قد تقدم حديث علقمة بن مرثد عن يحيى بن اسحاق عن عطاء بن يسار عن ابي هريرة رضي الله عنه و قال الطبراني حدثنا محمد بن عبدوس حدثنا الحسن بن حماد حدثنا جابر بن نوح عن واصل بن السائب عن ابي سورة عن ابي ايوب يرفعه ان أهل الجنة يتزاورون على النجائب و قد تقدم فأهل الجنة يتزاورون فيها و يستزير بعضهم بعضا و بذلك تتم لذتهم و سرورهم و لهذا قال حارثة للنبي و قد ساله كيف اصبحت يا حارثة قال اصبحت مؤمنا حقا قال ان لكل حق حقيقة فما حقيقة ايمانك قال عزفت نفسي عن الدنيا فاسهرت ليلي و اظمات نهاري و كاني انظر الى عرش ربي بارزا و الى أهل الجنة يتزاورون فيها والى أهل النار يعذبون فيها فقال عبد نور الله قلبه و قال ابن ابي الدنيا حدثنا عبد الله حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا سعيد بن دينار عن الربيع بن صبيح عن الحسن عن انس قال قال رسول الله اذا دخل أهل الجنة الجنة فيشتاق الاخوان بعضهم الى بعض قال فيسير سرير هذا الى سرير هذا وسرير هذا الى سرير هذا حتى يجتمعا جميعا فيقول احدهما لصاحبه تعلم متى غفر الله لنا فيقول صاحبه يوم كنا في موضع كذا و كذا فدعونا الله

فغفر لنا قال و حدثني حمزة بن العباس انبانا عبد الله بن عثمان انبانا ابن المبارك انبانا اسماعيل بن عياش قال حدثني ثعلبة بن مسلم عن ايوب بن بشير العجلي عن شفي بن مانع ان رسول الله قال ان من نعيم أهل الجنة انهم يتزاورون على المطايا و النجب و انهم يؤتون في الجنة بخيل مسرجة ملجمة لا تروث و لا تبول فيركبونها حتى ينتهوا حيث شاء الله عز و جل فياتيهم مثل السحابة فيها ما لا عين رات و لا اذن سمعت فيقولون امطري علينا فما يزال المطر عليهم حتى ينتهي ذلك فوق امانيهم ثم يبعث الله ريحا غير مؤذية فتنسف كثائب من مسك عن ايمانهم و عن شمائلهم فيأخذ ذلك المسك في نواصي خيولهم و في مفارقهم و في رؤوسهم و لكل رجل منهم جمة على ما اشتهت نفسه فيتعلق ذلك المسك في تلك اللجام و في الخيل و فيما سوى ذلك من الثياب ثم يقبلون حتى ينتهوا الى ما شاء الله تعالى فاذا المراة تنادي بعض اولئك يا عبد الله اما لك فينا حاجة فيقول ما انت و من انت فتقول انا زوجتك و حبك فيقول ما كنت علمت بمكانك فتقول المراة او ما علمت ان الله قال فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين جزاء بما كانوا يعملون فيقول بلى و ربي فلعله يشتغل عنها بعد ذلك الموقف اربعين خريفا لا يلتفت و لا يعود ما يشغله عنها الا ما هو فيه من النعيم و الكرامة حدثني حمزة انباني عبد الله بن عثمان انبانا بن المبارك انبانا رشدين ابن سعد قال حدثني ابن انعم ان ابا هريرة قال ان أهل الجنة ليتزاورون على العيس الجون عليها رحال الميس تثير مناسمها غبار المسك خطام او زمام احدها خير من الدنيا و ما فيها و ذكر ابن ابي الدنيا من حديث ابي اليمان حدثنا اسماعيل بن عياش عن عمرو بن محمد عن زيد بن اسلم عن ابيه عن ابي هريرة عن النبي انه سال جبريل عن هذه الاية و نفخ في الصور فصعق من في السماوات و من في الارض الا من شاء الله قال هم الشهداء يبعثهم الله متقلدين اسيافهم حول عرشه فاتاهم ملائكة من المحشر بنجائب من ياقوت ازمتها الدر الابيض برحال الذهب اعناقها السندس و الاستبرق و نمارقها الين من الحرير مد خطاها مد ابصار الرجال يسيرون في الجنة على خيول يقولون عند طول النزهة انطلقوا بنا ننظر كيف يقضي الله بين خلقه يضحك الله اليهم و اذا ضحك الله الى عبد في موطن فلا حساب عليه قال ابن ابي الدنيا و حدثنا الفضل بن جعفر

ابن حسن حدثنا ابي عن الحسن بن علي عن علي قال سمعت رسول الله يقول أن في الجنة لشجرة يخرج من أعلاها حلل و من أسفلها خيل من ذهب مسرجة ملجمة من در و ياقوت لا تروث و لا تبولا لها أجنحة خطوها مد بصرها فيركبها أهل الجنة فتطير بهم حيث شاءوا فيقول الذين اسفل منهم درجة يا رب بما بلغ عبادك هذه الكرامة قال فيقال لهم كانوا يصلون في الليل و كنتم تنامون و كانوا يصومون و كنتم تأكلون و كانوا ينفقون و كنتم تبخلون و كانوا يقاتلون و كنتم تجبنون فصل   و لهم زيارة أخرى أعلى من هذه و اجل و ذلك حين يزورون ربهم تبارك و تعالى فيريهم وجهه و يسمعهم كلامه و يحل عليهم رضوانه و سيمر بك ذكر هذه الزيارة عن قرب ان شاء الله تعالى
 الباب الستون في ذكر سوق الجنة و ما اعد الله تعالى فيه لأهلها قال
 مسلم في صحيحه حدثنا سعيد بن عبد الجبار الصيرفي حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن انس بن مالك ان رسول الله قال ان في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم و ثيابهم فيزدادون حسنا و جمالا فيرجعون الى أهليهم و قد ازدادوا حسنا و جمالا فيقول لهم أهلوهم و الله لقد ازددتم بعدنا حسنا و جمالا فيقولون و الله و انتم لقد ازددتم بعدنا حسنا و جمالا رواه الامام احمد في مسنده عن عفان عن حماد بن سلمة و قال فيها كثبان المسك فاذا خرجوا اليها هبت الريح و قال ابن ابي عاصم في كتاب السنة حدثنا هشام بن عمار حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن ابي العسر عن الاوزاعي عن حسان بن عطية عن سعيد بن المسيب انه لقي ابا هريرة فقال ابو هريرة اسال الله ان يجمع بيني و بينك في سوق الجنة فقال سعيد او فيها سوق قال نعم اخبرني رسول الله ان أهل الجنة اذا دخلوها نزلوها بفضل اعمالهم فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة عن ايام الدنيا فيزورون الله تبارك و تعالى فيبرز لهم عرشه و يتبدى لهم في روضة من رياض الجنة فيوضع لهم منابر من نور و منابر من لؤلؤ و منابر من زبرجد و منابر من ياقوت

و منابر من ذهب و منابر من فضة و يجلس أدناهم و ما فيها دنى على كثبان المسك و الكافور ما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا قال أبو هريرة وهل نرى ربنا عز و جل قال نعم قال هل تمارون في رؤية الشمس و القمر ليلة البدر قلنا لا قال فكذلك لا تمارون في رؤية ربكم و لا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله محاضرة حتى يقول يا فلان ابن فلان أتذكر يوم فعلت كذا و كذا فيذكره ببعض غدراته في الدنيا فيقول بلى افلم تغفر لي فيقول بلى فمغفرتي بلغت منزلتك هذه قال فبينما هم على ذلك إذ غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط قال ثم يقول ربنا تبارك و تعالى قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم قال فيأتون سوقا قد حفت بها الملائكة فيها ما لم تنظر العيون إلى مثله و لم تسمع الأذان و لم يخطر على القلوب قال فيحمل لنا ما اشتهينا ليس يباع فيه و لا يشترى و في ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا قال فيقبل ذو البزة المرتفعة فيلقى من هو دونه و ما فيهم دني فيروعه ما يرى عليه من اللباس و الهيئة فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه احسن منه و ذلك أنه لا ينبغي لاحد أن يحزن فيها قال ثم ننصرف إلى منازلنا فيلقانا أزواجنا فيقلن مرحبا و أهلا بحبنا لقد جئت و إن بك من الجمال و الطيب افضل مما فارقتنا عليه فتقول أنا جالسنا اليوم ربنا الجبار عز و جل و بحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا و رواه الترمذي في صفة الجنة عن محمد بن إسماعيل عن هشام بن عمار رواه ابن ماجة عن هشام بن عمار و ليس في هذا الإسناد من ينظر فيه إلا عبد الحميد بن حبيب و هو كاتب الاوزاعي فلا ننكر عليه تفرده عن الاوزاعي بما لم يروه غيره و قد قال الإمام احمد و أبو حاتم الرازي هو ثقة و أما دحيم و النسائي فضعفاه و لا نعرف أنه حدث عن غير الاوزاعي و الترمذي قال في هذا الحديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه قلت و قد رواه ابن أبي الدنيا عن الحكم بن موسى حدثنا هقل بن زياد عن الاوزاعي قال نبئت أن سعيد بن المسيب لقي أبا هريرة فذكره و قال الترمذي حدثنا أحمد بن صنيع حدثنا أبو معاوية أنبانا عبد الرحمن بن اسحق عن النعمان بن سعد عن علي بن ابي طالب قال قال رسول الله إن في الجنة لسوقا ما فيها شراء و لا بيع إلا الصور من الرجال والنساء فإذا اشتهى الرجل الصورة دخل فيها قال هذا حديث غريب و قال عبد الله بن المبارك أنبانا سليمان التيمي

عن انس بن مالك قال يقول أهل الجنة انطلقوا إلى السوق فينطلقون إلى كثبان المسك فإذا رجعوا إلى أزواجهم قالوا أنا لنجد لكن ريحا ما كانت لكن قال فيقلن لقد رجعتم بريح ما كانت لكم إذ خرجتم من عندنا قال ابن المبارك و أنبانا حميد الطويل عن انس بن مالك قال إن في الجنة سوقا كثبان مسك يخرجون إليها و يجتمعون إليها فيبعث الله ريحا فتدحلها بيوتهم فيقول لهم أهلوهم إذا رجعوا إليهم قد ازددتم حسنا بعدنا فيقولون لأهليهم قد ازددتم أيضا بعدنا حسنا و قال الحافظ محمد بن عبد الله الحضرمي المعروف بمطين حدثنا احمد بن محمد بن طريف البجلي حدثنا أبي حدثنا محمد بن كثير حدثني جابر الجعفي عن أبي جعفر عن علي بن الحسين عن جابر بن عبد الله قال خرج علينا رسول الله و نحن مجتمعون فقال يا معشر المسلمين إن في الجنة لسوقا ما يباع فيها و لا يشترى إلا الصور من احب صورة من رجل أو امرأة دخل فيها و الله أعلم
 الباب الحادي و الستون
   في ذكر زيارة أهل الجنة ربهم تبارك و تعالى   قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في مسنده حدثنا إبراهيم بن محمد قال حدثني موسى بن عبيدة قال حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة عن عبد الله بن عبيد بن عمير أنه سمع انس بن مالك يقول أتى جبريل بمرآة بيضاء فيها وكانت إلى النبي فقال النبي ما هذه قال الجمعة فضلت بها أنت و أمتك فأناس لكم فيها تبع اليهود و النصارى و لكم فيها خير و فيها ساعة لا يوافقها مؤمن يدعو الله بخير إلا استجيب له و هو عندنا يوم المزيد قال النبي يا جبريل و ما يوم المزيد قال إن ربك اتخذ في الفردوس واديا افيح فيه كثب المسك فإذا كان يوم القيامة انزل الله تبارك و تعالى ما شاء من ملائكته و حوله منابر من نور عليها مقاعد النبيين و حف تلك المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت و الزبرجد عليها الشهداء و الصديقون فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب فيقول الله تبارك و تعالى أنا ربكم قد صدقتم وعدي فسلوني أعطكم فيقولون ربنا نسألك رضوانك فيقول قد رضيت عنكم و لكم علي ما تمنيتم و لدي مزيد فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير و هو اليوم الذي

استوى فيه ربكم على العرش و فيه خلق آدم عليه الصلاة و السلام و فيه تقوم الساعة و لهذا الحديث طرق سنشير إليها في باب المزيد إن شاء الله تعالى و روى أبو نعيم من حديث شيبان بن خيبر بن فرقد عن الحسن عن أبي برزة الاسلمي عن النبي قال إن أهل الجنة ليغدون في حلة و يروجون في أخرى كغدو أحدكم و رواحه إلى ملك من ملوك الدنيا كذلك يغدون و يروحون إلى زيارة ربهم عز و جل و ذلك لهم بمقادير و معالم يعلمون تلك الساعة التي يأتون فيها ربهم عز و جل قال و روى جعفر بن حسن بن فرقد عن أبيه مثله و ذكر أبو نعيم أيضا من حديث أبي اسحاق عن الحارث عن علي قال إذا سكن أهل الجنة الجنة اتاهم ملك فيقول لهم ان الله تبارك و تعالى يامركم ان تزوروه فيجتمعون فيامر الله تبارك و تعالى داود عيله السلام فيرفع صوته بالتسبيح و التهليل ثم يوضع مائدة الخلد قالوا يا رسول الله و ما مائدة الخلد قال زاوية من زواياه اوسع مما بين المشرق و المغرب فيطعمون ثم يسقون ثم يكسون فيقولون لم يبق إلا النظر في وجه ربنا عز و جل فيتجلى لهم فيخرون سجدا فيقال لهم لستم في دار عمل انما انتم في دار جزاء و قال ابن أبي الدنيا حدثنا أبو موسى اسحاق بن إبراهيم الهروي حدثنا القاسم بن يزيد الموصلي قال حدثني أبو الياس قال حدثني محمد ابن علي بن الحسين قال قال رسول الله حدثني أبو نعيم حدثنا محمد ابن علي بن حنيش حدثنا إبراهيم بن شريك حدثنا احمد بن يونس حدثنا المعافى بن عمران و كان من خيار الناس قال حدثني إدريس بن سنان عن وهب بن منبه عن محمد بن علي قال إدريس ثم لقيت محمد بن علي بن الحسين بن فاطمة فحدثني قال قال رسول الله ان في الجنة شجرة يقال لها طوبى لو سخر الجواد الراكب ان يسير في ظلها لسار فيها مائة عام ورقها برود خضر و زهرها رياض صفر و اقنابها سندس و استبرق و ثمرها حلل و صمغها زنجبيل و عسل و بطحاؤها ياقوت احمر و زمرد أخضر و ترابها مسك و حشيشها زعفران منيع و إلا لنجوج يؤججان من غير وقود و يتفجر من اصلها انهار و السلسبيل و المعين و الرحيق و ظلها مجلس من مجالس أهل الجنة يألفونه و متحدث يجمعهم فبينما هم يوما يتحدثون في ظلها إذ جاءتهم الملائكة يقودون نجبن جبلت من الياقوت ثم نفخ فيها الروح مزمومة بسلاسل من ذهب كأن وجوهها المصابيح نضارة و حسنا وبرها خز أحمر و مرزعي أبيض مختلطان لم ينظر الناظرون إلى مثلها

عليها رجائل الواحها من الدر و الياقوت مفصصة باللؤلؤ والمرجان و صفافها من الذهب الأحمر ملبسة بالعبقري و الأرجوان فأناخوا إليهم تلك النجائب ثم قالوا لهم إن ربكم تبارك و تعالى يقرئكم السلام و يستزيركم لتنظروا اليه وينظر اليكم و تحيونه و يحييكم و يكلمكم وتكلمونه و يزيدكم من سعته و فضله أنه ذو رحمة واسعة و فضل عظيم فيتحول كل رجل منهم على راحلته ثم انطلقوا صفا واحدا معتدلا لا يفوق منه شيء شيئا ولا يقرب اذن الناقة اذن صاحبتها و لا تركب ناقة بركت صاحبتها و لا يمرون بشجر من اشجار الجنة إلا اتحفتهم بثمرها و رحلت لهم بمن طريقهم كراهية ان ينثلم صفهم أو يفرق بين الرجل و رفيقه فلما دفعوا إلى الجبار تبارك و تعالى اسفر لهم عن وجهه الكريم و تجلى لهم في عظمته العظيمة فقالوا ربنا أنت السلام و منك السلام و لك حق الجلال و الاكرام فقال لهم ربهم تبارك و تعالى إني السلام و مني السلام و لي حق الجلال و الإكرام مرحبا بعبادي الذين حفظوا وصيتي و راعوا عهدي و خافوني بالغيب و كانوا مني على كل حال مشفقين قالوا و عزتك و جلالك و علو مكانك ما قدرناك حق قدرك و ما ادينا اليك كل حقك فائذن لنا بالسجود لك فقال لهم ربهم تبارك و تعالى إني قد وضعت عنكم مؤنة العباد و ارحت لكم ابدانكم فلطالما ما اتعبتم لي الابدان و اعنيتم لي الوجوه فالان افضيتم إلى روحي و رحمتي و كرامتي فاسئلوني ما شئتم و تمنوا على علي اعطكم أمإنيكم فإني لن اجزيكم اليوم بقدر اعمالكم و لكن بقدر رحمتي و كرامتي و طولي و جلالي و علو مكاني و عظمة شأني فلا يزالون في الأمإني و العطايا و المواهب حتى ان المقتصر من امنيته ليتمنى مثل جميع الدنيا منذ خلقها الله عز و جل إلى يوم افناها فقال لهم ربهم عز و جل لقد قصرتم في أمإنيكم و رضيتم بدون ما يحق لكم فقد اوجبت لكم ما سألتم و تمنيتم و الحقت بكم ذريتكم و زدتكم ما قصرت عنه أمانيكم و لا يصح رفعه إلى النبي و حسبه ان يكون من كلام محمد بن علي فغلط فيه بعض هؤلاء الضعفاء فجعله من كلام النبي عليه الصلاةو السلام و إدريس بن سنان هذا هو سبط وهب بن منبه ضعفه ابنم عدي و قال الدار قطني متروك و أما أبو الياس المتابع له فلا يدري من هو و أما القاسم بن يزيد الموصلي الراوي عنه فمحمول أيضا و مثل هذا لا يصح رفعه و الله أعلم و قال الضحاك في قوله عز وجل يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال على النجائب عليها الرحال


 الباب الثاني و الستون
   في ذكر السحاب و المطر الذي يصيبهم في الجنة   قد تقدم في حديث سوق الجنة أنه يغشاهم يوم الزيارة سحابة من فوقهم فتمطر عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه قط و قال بقية بن الوليد حدثنا بحير بن سعيد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة قال ان من المزيد ان تمر السحابة بأهل الجنة فتقول ماذا تريدون ان أمطركم فلا يتمنون شيئا إلا أمطروا و قال ابن أبي الدنيا حدثني ازهر بن مروان حدثنا عبد الله بن عبد الله الشيبإني عن عبد الرحمن بن بديل عن أبيه عن صفي اليماني قال سأله عبد العزيز بن مروان عن وفد أهل الجنة انهم يفدون إلى الله سبحانه و تعالى كل يوم خميس فتوضع لهم اسرة كل إنسان منهم اعرف بسريره منك بسريرك هذا الذي أنت عليه فإذا قعدوا عليه و اخذ القوم مجالسهم قال تعالى اطعموا عبادي و خلقي و جيراني و وفدي فيطعموا ثم يقول اسقوهم قال فيأتون إنية من الوان شتى مختمة فيشربون منها ثم يقول عبادي و خلقي و جيراني و وفدي قد طعموا و شربوا فكهوهم فتجيء ثمرات شجر تدلى فيأكلون منها ما شاؤا ثم يقول عبادي وخلقي وجيراني ووفدى قد طعموا وشربوا وفكهوا اكسوهم فتجيء ثمرات شجر اصفر و أخضر و أحمر و كل لون لم تنبت إلا الحلل فتنشر عليهم حللا و قمصا ثم يقول عبادي و خلقي و جيرإني و وفدي قد طعموا و شربوا و فكهوا و كسوا طيبوهم فيتناثرون عليهم المسك مثل رذاذا المطر ثم يقول عبادي وجيراني وخلقي ووفدى قد طعموا وشربوا وفكهوا وكسوا وطيبوا لاتجلين لهم حتى ينظروا الي فإذا تجلى لهم فنظروا إليه نضرت وجوههم ثم يقال لهم ارجعوا إلى منازلكم فتقول لهم أزواجهم خرجتم من عندنا على صورة ورجعتم على غيرها فيقولون ذلك ان الله جل ثناؤه تجلى لنا فنظرنا إليه فنضرت وجوهنا و قال عبد الله بن المبارك أنبانا اسماعيل بن عياش قال حدثني ثعلبة بن مسلم عن ايوب بن بشير العجلي عن شفي بن مانع ان رسول الله قال ان من نعيم أهل الجنة انهم يتزاورون على المطايا والنجب وانهم يؤتون في الجنة بخيل مسرجة ملجمة لا تروث و لا تبول يركبونها حتى ينتهوا حيث شاء الله فياتيهم مثل السحابة فيها ما لا عين رأت و لا اذن سمعت فيقولون أمطري علينا

فما يزال المطر عليهم حتى ينتهي ذلك فوق أمانيهم ثم يبعث الله ريحا غير مؤذية فتنسف كثبانا من مسك عن ايمانهم وعن شمائلهم فيأخذون ذلك المسك في نواصي خيولهم وفي مفارقها وفي رؤوسهم و لكل رجل منهم جمة على ما اشتهت نفسه فيتعلق ذلك المسك في تلك الجمام و في الخيل و فيما سوى ذلك من الثياب ثم يقبلون حتى ينتهوا إلى ما شاء الله من فإذا المرأة تنادي بعض أولئك يا عبد الله أما لك فينا من حاجة فيقول ما أنت ومن أنت فتقول أنا زوجتك وحبك فيقول ما كنت علمت بمكانك فتقول المراة أو ما تعلم ان الله و تعالى قال فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون فيقول بلى و ربي فلعله يشتغل عنها بعد ذلك الموقف اربعين خريفا ما يشغله عنها إلا ما هو فيه من النعيم فصل   و قد جعل الله سبحانمه و تعالى السحاب و ما يمطره سببا للرحمة و الحياة في هذه الدار و يجعله سببا لحياة الخلق في قبورهم حيث يمطر على الأرض اربعين صباحا مطرا متداركا من تحت العرش فينبتون تحت الأرض كنبات الزرع و يبعثون يوم القيامة و السماء تطش عليهم و كأنه و الله أعلم اثر ذلك المطر العظيم كما يكون في الدنيا و يثير لهم سحابا في الجنة يمطرهم ما شاؤوا من طيب و غيره و كذلك أهل النار ينشئ لهم سحابا يمطر عليهم عذابا إلى عذابهم كما أنشأ لقوم هود وقوم شعيب سحابا أمطر عليهم عذابا أهلكهم فهو سبحانه ينشئه للرحمة و العذاب
 الباب الثالث و الستون
   في ذكر ملك الجنة و ان أهلها كلهم ملوك فيها   قال تعالى و إذا رايت ثم رايت نعيما و ملكا كبيرا قال ابن أبي نجيح عن مجاهد ملكا كبيرا قال عظيما و قال استئذان الملائكة عليهم لا تدخل الملائكة عليهم إلا باذن و قال كعب في قوله تعالى و إذا رأيت ثم رايت نعيما و ملكا كبيرا يرسل اليهم ربهم الملائكة فتأتي الملائكة فتستأذن عليهم الملائكة و قال بعضهم الخدم و لا يدخل عليهم الملائكة إلا باذن و قال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس أنه ذكر مراكب أهل الجنة ثم تلا و إذا رايت ثم رايت نعيما و ملكا كبيرا و قال ابن أبي الحواري سمعت أبا سليمان يقول في قوله عز و جل و إذا رأيت

ثم رأيت نعيما و ملكا كبيرا قال الملك الكبير ان رسول الله يأتيه بالتحفة و اللطف فلا يصل إليه حتى يستأذن له عليه فيقول للحاجب استاذن على ولى الله فإني لست اصل إليه فيعلم ذلك الحاجب حاجبا اخر و حاجبا بعد حاجب و من داره إلى دار السلام باب يدخل منه على ربه إذا شاء بلا اذن فالملك الكبير ان رسول الله رسول رب العزة لا يدخل عليه إلا باذن و هو يدخل على ربه بلا اذن و قال ابن أبي الدنيا حدثنا صالح بن مالك حدثنا صالح المري حدثنا يزيد الرقاشي عن انس بن مالك يرفعه ان اسفل اهل الجنة اجمعين درجة من يقوم على رأسه عشرة الاف خادم حدثنا محمد بن عباد بن موسى انبأنا زيد بن الحباب عن أبي هلال الراسبي انبأنا الحجاج بن عتاب العبدي عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي هريرة قال ان ادنى أهل الجنة منزلة و ليس فيهم دنيء من يغدو عليه كل يوم و يروح خمسة عشر ألف خادم ليس منهم خادم إلا و معه طرفة ليست مع صاحبه و حدثني محمد بن عباد حدثنا زيد بن الحباب عن أبي هلال حدثنا حميد بن هلال قال ما من رجل من أهل الجنة إلا و له ألف خازن ليس منهم خازن الاعلى عمل ليس عليه صاحبه و حدثني هارون بن سفيان انبأنا محمد بن عمر انبأنا الفضل بن فضالة عن زهرة بن معبد عن أبي عبد الرحمن الحبلى قال ان العبد أول ما يدخل الجنة يتلقاه سبعون ألف خادم كأنهم اللؤلؤ حدثني هارون بن سفيان حدثنا محمد بن عمر انبأنا محمد بن هلال عن أبيه عن أبي هريرة قال ان ادنى أهل الجنة منزلة و ما فيهم دنيء لمن يغدو عليه عشرة الاف خادم مع كل خادم طرفة ليسيت مع صاحبه و قال عبد الله بن المبارك حدثنا يحيى بن ايوب حدثني عبد الله بن رجز عن محمد بن أبي ايوب المخزومي عن أبي عبد الرحمن المغافري قال أنه ليصف للرجل من أهل الجنة سماطان لا يرى طرفاهما من غلمانه حتى إذا مر مشوا وراءه و قال أبو خيثمة حدثنا الحسن ابن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال قال رسول الله ان ادنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم و اثنتان و سبعون زوجة و تنصب له قبة من لؤلؤ و ياقوت و زبرجد كما بين الجابية و صنعاء و قال عبد الله بن المبارك أنبأنا بقية بن الوليد حدثني ارطاة بن المنذر قال سمعت رجلا من مشيخة الجند يقال له أبو الحجاج قال جلست

إلى أبي امامة فقال ان المؤمن يكون متكئا على اريكة إذا دخل الجنة و عنده سماطان من الخدم و عند طرف السماطين باب مبوب فيقبل الملك من ملائكة الله عز و جل ليستأذن فيقوم ادنى الخدم إلى الباب فإذا هو بالملك يستأذن فيقول للذي يليه ملك يستأذن ويقول للذي يليه ملك يستأذنه حتى يبلغ المؤمن فيقول ائذنوا له فيقول اقربني إلى المؤمن ائذنوا له ويقول الذي يليه للذي يليه ائذنوا له كذلك حتى يبلغ اقصاهم الذي عند الباب فيفتح له فيدخل فيسلم ثم ينصرف و قال ابن أبي الدنيا حدثني محمد بن الحسن حدثنا قبيصة حدثنا سليمان العنبري عن الضحاك بن مزاحم قال بينا ولي الله في منزله اذ اتاه رسول من الله عز وجل فقال للاذن استأذن لرسول الله على ولي الله فيدخل الاذن فيقول له يا ولي الله هذا رسول من الله يستأذن عليك قال ائذن له فيأذن له فيدخل على ولي الله فيضع ما بين يديه تحفة فيقول يا ولي الله ان ربك يقرا عليك السلام و يأمرك ان تأكل من هذه قال فيشبهه بطعام أكله أيضا فيقول انما أكلت هذا الآن فيقول ان ربك يأمرك أن تأكل منها فيأكل منها فيجد منها طعم كل ثمرة في الجنة قال فذلك قوله تعالى و اتوا به متشابها و في صحيح مسلم من حديث المغيرة بن شعبة عن النبي قال سأل موسى عليه السلام ربه ما ادنى أهل الجنة منزلة قال هو رجل يجيء بعد ما ادخل أهل الجنة الجنة فيقال له ادخل الجنة فيقول أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا اخذاتهم فيقال له اترضى ان يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت ربي فيقول له لك ذلك ومثله ومثله ومثله فقال في الخامس رضيت ربي فيقول هذا لك و عشرة امثاله و لك ما اشتهت نفسك و لذت عينك فيقول رضيت ربي و ذكر الحديث وقد تقدم ذكره بتمامه وقال الباز في مسنده حدثنا محمد بن المثنى حدثنا المغيرة بن سلمة حدثنا وهيب عن الحريري عن أبي بصرة عن أبي سعيد قال خلق الله الجنة لبنة من فضة و لبنة من ذهب و غرسها بيده و قال لها تكلمي فقالت قد افلح المؤمنون فدخلتها الملائكة فقالت طوبى لك منزلة الملوك هكذا رواه وهيب عن الحريري موقوفا و رواه عدي بن الفضل عن الحريري فرفعه و قال البزار و لا نعلم أحدا رفعه إلا عدي ابن الفضل بهذا الاسناد و عدي بن الفضل ليس بالحافظ و هو شيخ بصري

قلت عدي ابن الفضل هذا انفرد به ابن ماجة و قد ضعفه يحيى بن معين و أبو حاتم و الحديث صحيح موقوف و الله أعلم وقد تقدم ذكر التيجان على رؤوسهم و انما يلبسها الملوك
 الباب الرابع و الستون
   في أن الجنة فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الخيال و ان موضع سوط منها خير من الدنيا و ما فيها   قال تعالى تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا و طمعا وما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون و تامل كيف قابل ما اخفوه من قيام الليل بالجزاء الذي اخفاه لهم مما لا تعلمه نفس و كيف قابل قلقهم و خوفهم و اضطرابهم على مضاجعهم حين يقوموا الى صلاة الليل بقرة الاعين في الجنة و في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله قال الله عز وجل اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رات و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر مصداق ذلك في كتاب الله فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون و في لفظ اخر فيهما يقول الله عز و جل اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رات و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر ذخرا بله ما اطلعتكم عليه ثم قرا فلا تعلم نفس وفي صحيح مسلم من حديث سعد بن سهل الساعدي قال شهدت مع النبي مجلسا وصف فيه الجنة حتى انتهى ثم قال اخر حديثه فيها ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر ثم قرأ هذه الآية تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا و طمعا و مما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون و في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله لقاب قوس أحدكم في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس أو تغرب و قد تقدم حديث أبي امامة عن النبي إلا مشمر في للجنة فان الجنة لا خطر لها هي و رب الكعبة نور يتلألأ و ريحانة تهتز و قصر مشيد و نهر مطرد و ثمرة نضيجة و زوجة حسناء جميلة و حلل كثيرة و مقام في ابد في دار سليمة و فاكهة و خضرة و حبرة و نعمة و محلة عالية بهية و لو لم يكن من خطر الجنة و شرفها إلا أنه لا يسأل بوجه الله غيره

شرفا و فضلا وكما في سنن أبي داود من محمد بن سليمان بن معاذ بن المنذر عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله لا يسأل بوجه الله إلا الجنة و في معجم الطبراني من حديث بقية عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله لما خلق الله جنة عدن خلق فيها ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر ثم قال لها تكلمي فقالت قد افلح المؤمنون و في صحيح البخاري من حديث سهل ابن سعد قال سمعت رسول الله يقول موضع سوط في الجنة خير من الدنيا و ما فيها و قال الامام احمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر حدثنا همام عن أبي هريرة رضي الله قال قال رسول الله لقيد سوط أحدكم من الجنة خير مما بين السماء و الأرض و هذا الاسناد على شرط الصحيحين و قال الترمذي حدثنا سويد بن نصر حدثنا ابن المبارك انبانا ابن لهيعة عن يزيد ابن أبي حبيب عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده عن النبي قال لو ان اقل ظفر مما في الجنة بدا لتزخرفت له ما بين خوافق السماوات و الأرض و لو ان رجلا من اهل الجنة اطلع فبدا اساوره لطمس لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء الكواكب قال الترمذي هذا حديث حسن غريب لا نعرفه بهذا الاسناد إلا من حديث ابن لهيعة و قد روى يحيى بن ايوب هذا الحديث عن يزيد بن أبي حبيب و قال عن عمر بن سعد ابن أبي وقاص عن النبي قلت و قد رواه ابن وهب انبانا عمرو يعني ابن الحارث أن سليمان بن حميد حدثه ان عامر بن سعد بن أبي وقاص قال سليمان لا أعلم إلا أنه حدثني عن أبيه عن رسول الله عن رسول الله أنه قال لو ان ظفر من الجنة برز للدنيا لتزخرفت له ما بين السماء و الأرض و في الباب عن انس بن مالك و أبي سعيد الخدري و عبد الله ابن عمرو بن العاص و كيف يقدر قدر دار غرسها الله بيده و جعلها مقرا لاحبابه و ملاها من رحمته و كراماته و رضوانه و وصف نعيمها بالفوز العظيم وملكها بالملك الكبير وأودعها جميع الخير بحذافيره وطهرها من كل عيب وآفة و نقص فإن سألت عن أرضها و تربتها فهي المسك و الزعفران و ان سلالت عن سقفها فهو عرش الرحمن و ان سألت عن بلاطها فهو المسك الاذفر

و ان سألت عن حصبائها فهو اللؤلؤ و الجوهر و ان سألت عن بنائها فلبنة من فضة و لبنة من ذهب و ان سألت عن اشجارها فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب و فضة لا من الحطب و الخشب و ان سألت عن ثمرها فأمثال القلال ألين من الزبد واحلى من العسل و ان سألت عن ورقها فاحسن ما يكون من رقائق الحلل و ان سألت عن انهارها فانهار من لبن لم يتغير طعمه و انهار من خمر لذة للشاربين و انهار من عسل مصفى و ان سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخيرون و لحم طير مما يشتهون و ان سألت عن شرابهم فالتسنيم و الزنجبيل و الكافور و ان سألت عن إنيتهم فانية الذهب و الفضة في صفاء القوارير و ان سألت عن سعة ابوابها فبين المصراعين مسيرة اربعين من الاعوام و ليأتين عليه يوم و هو كظيظ من الزحام و ان سألت عن تصفيق الرياح لاشجارها فانها تستفز بالطرب لمن يسمعها و ان سألت عن ظلها ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها و ان سألت عن سعتها فادنى أهلها يسير في ملكه و سرره و قصوره و بساتينه مسيرة الفي عام و ان سألت عن خيامها و قبابها 2فالخيمة الواحدة من درة مجوفة طولها ستون ميلا من تلك الخيام و ان سألت عن علاليها و جواسقها فهي غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الانهار و ان سألت عن ارتفاعها فانظر إلى الكوكب الطالع أو الغارب في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار و ان سألت عن لباس أهلها فهو الحرير و الذهب و ان سألت عن فرشها فبطائنها من استبرق مفروشة في اعلى الرتب و ان سألت عن ارائكها فهي الاسرة عليها البشخانات و هي الحجال مزررة بازرار الذهب فما لها من فروج و لا خلال و ان سألت عن وجوه أهلها و حسنهم فعلى صورة القمر وان سألت عن اسنانهم فابناء ثلاث و ثلاثين على صورة آدم عليه السلام أبي البشر وسألت عن سماعهم فغناء ازواجهم من الحور العين و اعلى منه سماع اصوات الملائكة و النبيين و اعلى منهما خطاب رب العالمين و ان سألت عن مطاياهم التي يتزاورون عليها فنجائب ان شاء الله مما شاء يسير بهم حيث شاؤوا من الجنان و ان سألت عن حليهم و شارتهم فأساور الذهب و اللؤلؤ على الرؤوس ملابس التيجان و ان سألت عن غلمانهم فولدان مخلدون كانهم لؤلؤ مكنون و ان سألت عن عرائسهم و ازواجهم فهن الكواعب الاتراب

اللاتي جرى في اعضائهن ماء الشباب فللورد و التفاح ما لبسته الخدود و للرمان ما تضمنته النهود و اللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور و للرقة و اللطافة ما دارت عليه الخصور تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت و يضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت إذا قابلت حبها فقل ما تشاء في تقابل النيرين و إذا حادثته فما ظنك بمحادثة الحبين و ان ضمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين يرى وجهه في صحن خدها كما يرى في المرآة التي جلاها صيقلها و يرى مخ ساقها من وراء اللحم و لا يستره جلدها و لا عظمها و لا حللها لو اطلعت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحا و لاستنطقت افواه الخلائق تهليلا و تكبيرا و تسبيحا و لتزخرف لها ما بين الخافقين و لا غمضت عن غيرها كل عين و لطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم و لامن من على ظهرها بالله الحي القيوم و نصيفها على رأسها خير من الدينا و ما فيها و وصالها اشهى إليه من جميع امانيها لا تزداد على طول الاحقاب إلا حسنا و جمالا و لا يزداد لها طول المدى إلا محبة و وصالا مبرأة من الحبل و الولادة و الحيض و النفاس مطهرة من المخاط و البصاق و البول و الغائط و سائر الادناس لا يفنى شبابها و لا تبلى ثيابها و لا يخلق ثوب جمالها و لا يمل طيب وصالها قد قصرت طرفها على زوجها فلا تطمح لاحد سواه و قصر طرفه عليها فهي غاية امنيته و هواه ان نظر اليها سرته و ان امرها بطاعته اطاعته و ان غاب عنها حفظته فهو معها في غاية الأماني و الأمان هذا و لم يطمثها قبله انس و لا جان كلما نظر اليها ملات قلبه سرورا و كلما حدثته ملأت اذنه لؤلؤا منظورما ومنثورا و إذا برزت ملأت القصر والغرفة نورا و ان سألت عن السن فاتراب في اعدل سن الشباب و ان سألت عن الحسن فهل رأيت الشمس و القمر و ان سألت عن الحدق فأحسن سواد في اصفى بياض في احسن حور و ان سألت عن القدود فهل رايت احسن الاغصان و ان سألت عن النهود فهن الكواعب نهودهن كالطف الرمان و ان سألت عن اللون فكانه الياقوت و المرجان و ان سألت عن حسن الخلق فهن الخيرات الحسان اللاتي جمع لهن بين الحسن و الاحسان فاعطين جمال الباطن والظاهر فهن افراح النفوس قرة النواظر و ان سألت عن حسن العشرة و لذة ما هنالك فهن العرب المتحببات إلى الازواج بلطافة التبعل التي تمتزج بالروح أي امتزاج فما ظنك

بامراة إذا ضحكت في وجه زوجها اضاءت الجنة من ضحكها و إذا انتقلت من قصر إلى قصر قلت هذه الشمس متنقلة في بروج فلكها و إذا حاضرت زوجها فيا حسن تلك المحاضرة و ان خاصرته فيا لذة تلك المعانقة و المخاصرة   و حديثها السحر الحلال لو أنه % لم يجن قتل المسلم المتحرز   ان طال لم يملل و ان هي حدثت % ود المحدث انها لم توجز   و ان غنت فيالذة الأبصار و الاسماع و ان انست و امتعت فيا حبذا تلك المؤانسة و الامتاع و ان قبلت فلا شيء اشهى إليه من ذلك التقبيل و ان نولت فلا الذ و لا اطيب من ذلك التنويل هذا و ان سألت عن يوم المزيد وزيادة العزيز الحميد و رؤية وجهه المنزه عن التمثيل و التشبيه كما ترى الشمس في الظهيرة و القمر ليلة البدر كما تواتر عن الصادق المصدوق النقل فيه و ذلك موجود في الصحاح و السنن و المسانيد من رواية جرير و صهيب و انس و أبي هريرة وأبي موسى و أبي سعيد فاستمع يوم ينادي المنادي يا أهل الجنة ان ربكم تبارك و تعالى يستزيركم فحي على زيارته فيقولون سمعا و طاعة و ينهضون إلى الزيارة مبادرين فإذا بالنجائب قد اعدت لهم فيستوون على ظهورها مسرعين حتى إذا انتهوا إلى الوادي الافيح الذي جعل لهم موعدا و جمعوا هناك فلم يغادر الداعي منهم أحدا امر الرب تبارك و تعالى بكرسيه فنصب هناك ثم نصبت لهم منابر من نور و منابر من لؤلؤ و منابر من زبرجد و منابر من ذهب و منابر من فضة و جلس ادناهم و حاشاهم ان يكون فيهم دنيء على كثبان المسك وما يرون ان اصحاب الكراسي فوقهم في العطايا حتى إذا استقرت بهم مجالسهم و اطمأنت بهم اماكنهم نادى المنادي يا أهل الجنة ان لكم عند الله موعدا يريد ان ينجزكموه فيقولون ما هو الم يبيض وجوهنا و يثقل موازيننا و يدخلنا الجنة و يزحزحنا عن النار فبينما هم كذلك اذ سطع لهم نور اشرقت له الجنة فرفعوا رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرف عليهم من فوقهم و قال يا أهل الجنة سلام عليكم فلا ترد هذه التحية باحسن من قولهم اللهم أنت السلام و منك السلام تباركت يا ذا الجلال و الإكرام فيتجلى لهم الرب تبارك و تعالى يضحك اليهم و يقول يا أهل الجنة فيكون أول ما يسمعونه منه تعالى اين عيادي الذين اطاعوني بالغيب و لم يروني فهذا يوم المزيد فيجتمعون على كلمة واحدة أن قد رضينا

فأرض عنا فيقول يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي هذا يوم المزيد فاسألوني فيجتمعون على كلمة واحدة ارنا وجهك ننظر إليه فيكشف لهم الرب جل جلاله الحجب و يتجلى لهم فيغشاهم من نوره ما لو لا أن الله تعالى قضى أن لا يحترقوا لاحترقوا ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه تعالى محاضرة حتى أنه ليقول يا فلان أتذكر يوم فعلت كذا و كذا يذكره ببعض غدراته في الدنيا فيقول يا رب ألم تغفر لي فيقول بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة و يا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجه الكريم في الدار الآخرة و يا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة وجوه يوم ناضرة إلى ربها ناظرة و وجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة   فحي على جنات عدن فإنها % منازلك الأولى و فيها المخيم   و لكننا سبي العدو فهل ترى % نعود إلى أوطاننا و نسلم
 الباب الخامس و الستون
   في رؤيتهم ربهم تبارك و تعالى بأبصارهم جهرة كما يرى القمر ليلة البدر و تجليه لهم ضاحكا إليهم   هذا الباب اشرف أبواب الكتاب و اجلها قدرا و أعلاها خطرا و اقرها عينا أهل السنة و الجماعة و اشدها على أهل البدعة و الضلالة و هي الغاية التي شمر إليها المشمرون و تنافس فيها المتنافسون و تسابق إليها المتسابقون و لمثلها فليعمل العاملون إذا ناله أهل الجنة نسوا ما هم فيه من النعيم وحرمانه و الحجاب عنه لأهل الجحيم اشد عليهم من عذاب الجحيم اتفق عليها الأنبياء و المرسلون و جميع الصحابة و التابعون و أئمة الإسلام على تتابع القرون و أنكرها أهل البدع المارقون و الجهمية المتهوكون و الفرعونية المعطلون و الباطنية الذين هم من جميع الأديان منسلخون و الرافضة الذين هم بحبائل الشيطان متمسكون و من حبل الله منقطعون و على مسبة أصحاب رسول الله عاكفون و للسنة و أهلها محاربون و لكل عدو لله و رسوله و دينه مسالمون و كل هؤلاء عن ربهم محجوبون و عن بابه مطرودون أولئك أحزاب الضلال و شيعة اللعين و أعداء الرسول و حزبه و قد اخبر الله سبحانه و تعالى عن أعلم الخلق به في زمانه و هو كليمه ونجيه و صفيه من

أهل الأرض أنه سال ربه تعالى النظر إليه فقال له ربه تبارك و تعالى لن ترني و لكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا و بيان الدلالة من هذه الآية من وجوه عديدة أحدها أنه لا يظن بكليم الرحمن و رسوله الكريم عليه أن يسأل ربه ما لا يجوز عليه بل ما هو من ابطل الباطل و اعظم المحال و هو عند فروخ اليونان و الصابئة و الفرعونية بمنزلة أن يسأله أن يأكل و يشرب و ينام و نحو ذلك مما يتعالى الله عنه فيا لله العجب كيف صار اتباع الصابئة و المجوس و المشركين عباد الأصنام و فروخ الجهمية و الفرعونية أعلم بالله تعالى من موسى بن عمران و بما يستحيل عليه و يجب له و اشد تنزيها له منه الوجه الثاني ان الله سبحانه و تعالى لم ينكر عليه سؤاله و لو كان محالا لأنكره عليه و لهذا لما سال إبراهيم الخليل ربه تبارك و تعالى ان يريه كيف يحيي الموتى لم ينكر عليه و لما سأل عيسى بن مريم ربه إنزال المائدة من السماء لم ينكر عليه سؤاله و لما سأل نوح ربه نجاة ابنه أنكر عليه سؤاله و قال إني اعظك ان تكون من الجاهلين قال رب إني اعوذ بك ان اسألك ما ليس لي به علم و إلا تغفر لي و ترحمني اكن من الخاسرين الوجه الثالث أنه اجابه بقوله لن ترني و لم يقل لا تراني و لا إني لست بمرئي و لا تجوز رؤيتي و الفرق بين الجوابين ظاهر لمن تامله و هذا يدل على أنه سبحانه و تعالى يرى و لكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار لضعف قوة البشر فيها عن رؤيته تعالى يوضحه الوجه الرابع و هو قوله و لكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فأعلمه ان الجبل مع قوته و صلابته لا يثبت لتجليه له في هذه الدار فكيف بالبشر الضعيف الذي خلق من ضعف الوجه الخامس إن الله سبحانه و وتعالى قادر على أن يجعل الجبل مستقرا مكانه و ليس هذا بممتنع في مقدوره بل هو ممكن و قد علق به الرؤية و لو كانت مجالا في ذاتها لم يعلقها بالممكن في ذاته و لو كانت الرؤيا محالا لكان ذلك نظير أن يقول إن استقر الجبل فسوف آكل و اشرب و أنام فالأمران عندكم سواء الوجه السادس قوله سبحانه و تعالى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا و هذا من أبين الأدلة على جواز رؤيته تبارك و تعالى فإنه إذا جاز ان يتجلى للجبل الذي هو جماد لا ثواب له و لا عقاب عليه فكيف يمتنع أن يتجلى لأنبيائه و رسله و أوليائه في دار كرامتهم و يريهم نفسه فأعلم سبحانه

و تعالى موسى إن الجبل إذا لم يثبت لرؤيته في هذه الدار فالبشر اضعف الوجه السابع أن ربه سبحانه و تعالى قد كلمه منه إليه و خاطبه و ناجاه و ناداه ومن جاز عليه التكلم و التكليم و ان يسمع مخاطبه كلامه معه بغير واسطة فرؤيته أولى بالجواز و لهذا لا يتم إنكار الرؤية إلا بإنكار التكليم و قد جمعت هذه الطوائف بين إنكار الأمرين فأنكروا ان يكلم أحدا أو يراه أحد و لهذا سأله موسى عليه السلام النظر إليه و اسمعه كلامه وعلم نبي الله جواز رؤيته من وقوع خطا به و تكليمه لم يخبره باستحالة ذلك عليه و لكن أراه أن ما سأله لا يقدر على احتماله كما لم يثبت الجبل لتجليه و أما قوله تعالى لن تراني فإنما يدل على النفي في المستقبل و لا يدل على دوام النفي و لو قيدت بالتأبيد فكيف إذا أطلقت قال تعالى و لن يتمنوه أبدا مع قوله تعالى و نادوا أن يا مالك ليقض علينا ربك فصل   الدليل الثاني قوله تعالى و اتقوا الله و اعلموا أنكم ملاقوه و قوله تعالى تحيتهم يوم يلقونه سلام و قوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه وقوله تعالى قالوا الذين يظنون انهم ملاقوا الله و قوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه و اجمع أهل اللسان على أن اللقاء متى نسب إلى الحي السليم من العمى و المانع اقتضى المعاينة و الرؤية و لا ينتقض هذا بقوله تعالى فاعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه فقد دلت الأحاديث الصحيحة الصريحة على أن المنافقين يرونه تعالى في عرصات القيامة بل و الكفار أيضا كما في الصحيحين من حديث التجلي يوم القيامة و سيمر بك عن قريب إن شاء الله تعالى و في هذه المسألة ثلاثة اقوال لأهل السنة احدها ان لا يراه إلا المؤمنون و الثاني يراه جميع أهل الموقف مؤمنهم وكافرهم ثم يحتجب عن الكفار فلا يرونه بعد ذلك و الثالث يراه المنافقون دون الكفار و الأقوال الثلاثة في مذهب احمد و هي لاصحابه و كذلك الأقوال الثلاثة بعينها لهم في تكليمه لهم و شيخنا في ذلك منصف مفرد و حكى فيه أقوال الثلاثة وحجج اصحابها و كذا قوله سبحانه و تعالى يا أيها الإنسان انك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه إن عاد الضمير على العمل فهو رؤيته في الكتاب مسطورا مثبتا و إن عاد على الرب سبحانه و تعالى فهو لقاؤه الذي وعد به

الدليل الثالث قوله تعالى و الله يدعو إلى دار السلام و يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم للذين احسنوا الحسنى و زيادة و لا يرهق وجوههم قتر و لا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون فالحسنى الجنة و الزيادة النظر إلى وجهه الكريم كذلك فسرها رسول الله الذي انزل عليه القران فالصحابة من بعده كما روى مسلم في صحيحيه من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال قرا رسول الله للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال إذا دخل أهل الجنة الجنة و أهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا و يريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو ألم يثقل موازيننا و يبيض وجوهنا و يدخلنا الجنة و يزحزحنا عن النار فيكشف الحجاب فينظرون الله فما أعطاهم شيئا احب إليهم من النظر إليه و هي الزيادة و قال الحسن بن عرفة حدثنا مسلم بن سالم البلخي عن نوح بن أبي مريم عن ثابت عن انس قال سئل رسول الله عن هذه الآية للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال للذين احسنوا العمل في الدنيا الحسنى و هي الجنة و الزيادة و هي النظر إلى وجه الله تعالى و قال محمد بن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا إبراهيم بن المختار عن ابن جريج عن عطاء عن كعب بن عجزة عن النبي في قوله تعالى للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال الزيادة النظر إلى وجه الرحمن جل جلاله قلت لعطاء هذا هو الخراساني و ليس عطاء بن أبي رباح قال ابن جرير و حدثنا ابن عبد الرحيم حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال سمعت زهيرا بن محمد قال حدثني من سمع أبا العالية الرياحي يحدثوا قال يعقوب ابن سفيان حدثنا صفوان بن صالح حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا زهير بن محمد قال حدثني من سمع أبا العالية الرياحي يحدث عن أبي كعب قال سألت رسول الله عن الزيادة في كتاب الله عز و جل قوله تعالى للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال الحسنى الجنة و الزيادة النظر إلى وجه الله عز و جل و قال أسد السنة حدثنا قيس بن الربيع عن ابان عن أبي تميمة الهيجمي أنه سمع أبا موسى ي أبا موسى يحدث أنه سمع رسول الله يقول يبعث الله عز و جل يوم القيامة مناديا ينادي يا أهل الجنة بصوت يسمع أولهم و اخرهم أن الله وعدكم الحسنى و الحسنى الجنة

و الزيادة النظر إلى وجه الله عز و جل و قال ابن وهب اخبرني شبيب عن إبان عن ابن تيمية الهجيمي أنه سمع أبا موسى الاشعري يحدث عن رسول الله أن الله عز و جل يأمر يوم القيامة مناديا ينادي يا أهل الجنة بصوت يسمع أولهم و أخرهم أن الله وعدكم الحسنى و زيادة الحسنى الجنة و الزيادة النظر إلى وجه الرحمن   و أما الصحابة فقال ابن جرير حدثنا ابن يسار حدثنا عبد الرحمن هو ابن مهدي حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال النظر إلى وجه الله الكريم و بهذا الإسناد عن أبي إسحاق عن مسلم بن يزيد عن حذيفة للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال النظر إلى وجه ربهم تعالى و حدثنا على بن عيسى حدثنا شبابة حدثنا أبو بكر الهذلي قال سمعت أبا تميمة الهجيمي يحدث عن أبي موسى الاشعري قال إذا كان يوم القيامة يبعث الله تعالى إلى أهل الجنة مناديا ينادي هل انجزكم الله ما وعدكم فينظرون إلى ما اعد الله لهم من الكرامة فيقولون نعم فيقول للذين احسنوا الحسنى و زيادة النظر إلى وجه الرحمن عز و جل و قال عبد الله بن المبارك عن أبي بكر الهذلي انبأنا أبو تميمة قال سمعت أبا موسى الاشعري يخطب الناس في جامع البصرة و يقول ان الله يبعث يوم القيامة ملكا إلى أهل الجنة فيقول يا أهل الجنة هل انجزكم الله ما وعدكم فينظرون فيرون الحلي و الحلل و الأنهار و الأزواج المطهرة فيقولون نعم قد أنجزنا الله ما وعدنا ثم يقول الملك هل انجزكم الله ما وعدكم ثلاث مرات فلا ينقدون شيئا مما وعدوا فيقولون نعم فيقول قد بقي لكم شيء إن الله عز و جل يقول للذين احسنوا الحسنى و زيادة إلا ان الحسنى الجنة و الزيادة النظر إلى وجه الله تعالى و في تفسير اسباط بن نصر عن إسماعيل السدي عن أبي مالك و أبي صالح عن ابن عباس و عن مرة الهمداني عن ابن مسعود للذين احسنوا الحسنى و زيادة و لا يرهق وجوههم قتر و لا ذلة قال أما الحسنى فالجنة و أما الزيادة فالنظر إلى وجه الله تعالى و أما القتر فالسواد و قال عبد الرحمن بن أبي ليلى و عامر بن سعد و إسماعيل بن عبد الرحمن السدي و الضحاك بن مزاحم و عبد الرحمن بن سابط و أبو إسحاق السبيعي و قتادة و سعيد بن المسيب و الحسن البصري و عكرمة مولى ابن عباس و مجاهد بن جبر الحسنى الجنة و الزيادة النظر إلى وجه الله تعالى و قال غير واحد من السلف في الآية و لا يرهق وجوههم قتر و لا ذلة بعد النظر إليه و الأحاديث

عنهم بذلك صحيحة ولما عطف سبحانه الزيادة على الحسنى التي هي الجنة دل على إنها أمر آخر من وراء الجنة و قدر زائد عليها و من فسر الزيادة بالمغفرة و الرضوان فهو من لوازم رؤية الرب تبارك و تعالى فصل   الدليل الرابع قوله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون و وجه الاستدلال بها أنه سبحانه و تعالى جعل من اعظم عقوبة الكفار كونهم محجوبين عن رؤيته و استماع كلامه فلو لم يره المؤمنون و لم يسمعوا كلامه كانوا أيضا محجوبين عنه و قد احتج بهذه الحجة الشافعي نفسه وغيره من الأئمة فذكر الطبراني وغيره من المزي قال سمعت الشافعي يقول في قوله عز و جل كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فيها دليل على أن أولياء الله يرون ربهم يوم القيامة و قال الحاكم حدثنا الأصم انبانا الربيع بن سليمان قال حضرت محمد بن إدريس الشافعي و قد جاءته رقعة من الصعيد فيها ما تقول في قول الله عز و جل كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فقال الشافعي لما أن حجب هؤلاء في السخط كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضي قال الربيع فقلت يا أبا عبد الله و به تقول قال نعم و به أدين الله و لو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى الله لما عبد الله عز و جل ورواه الطبراني في شرح السنة من طريق الأصم أيضا و قال أبو زرعة الرازي سمعت احمد بن محمد بن الحسين يقول سئل محمد بن عبد الله ابن الحكم هل يرى الخلق كلهم ربهم يوم القيامة المؤمنون و الكفار فقال محمد ابن عبد الله ليس يراه إلا المؤمنون قال ممد و سئل الشافعي عن الرؤية فقال يقول الله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ففي هذا دليل على أن المؤمنين لا يحجبون عن الله عز وجل
 فصل الدليل الخامس قوله عز و جل
 لهم ما يشاؤن فيها و لدينا مزيد قال الطبراني قال علي بن أبي طالب و انس بن مالك هو النظر إلى وجه الله عز و جل و قاله من التابعين زيد بن وهب و غيره فصل   الدليل السادس قوله عز و جل لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار

و الاستدلال بهذا اعجب فانه من أدلة النفاة و قد قرر شيخنا وجه الاستدلال به احسن تقرير و الطفه و قال لي أنا ألتزم أنه لا يحتج مبطل بآية أو حديث صحيح على باطله إلا و في ذلك الدليل ما يدل على نقيض قوله فمنها هذه الآية و هي على جواز الرؤية أدل منها على امتناعها فان اله سبحانه انما ذكرها في سياق التمدح و معلوم أن المدح إنما يكون بالاوصاف الثبوتية و أما العدم المحض فليس بكمال و لا يمدح به و إنما يمدح الرب تبارك و تعالى بالعدم إذا تضمن امرا وجوديا كتمدحه بنفي السنة و النوم المتضمن كمال القيومية و نفي الموت المتضمن كمال الحياة و نفي اللغوب و الاعياء المتضمن كمال القدرة و نفي الشريك و الصاحبة و الولد و الظهير المتضمن كمال ربوبيته و الهيئة و قهره و نفي الأكل و الشرب المتضمن كمال الصمدية و غناه و نفي الشفاعة عنده بدون إذنه المتضمن كمال توحيده و غناه عن خلقه ونفي الظلم المتظمن كمال عدله وعلمه وغناه ونفي النسيان و عزوب شيء عن علمه المتضمن كمال علمه و إحاطته و نفي المثل المتضمن لكمال ذاته و صفاته و لهذا لم يتمدح بعدم محض لا يتضمن امرا ثبوتيا فان المعدوم يشارك الموصوف في ذلك العدم و لا يوصف الكامل بامر يشترك هو و المعدوم فيه فلو كان المراد بقوله لا تدركه الأبصار أنه لا يرى بحال لم يكن في ذلك مدح و لا كمال لمشاركة المعدوم له في ذلك فان العدم الصرف لا يرى و لا تدركه الأبصار و الرب جل جلاله يتعالى ان يمدح بما يشاركه فيه العدم المحض فاذا المعنى أنه يرى و لا يدرك و لا يحاط به كما كان المعنى في قوله و ما يعزب عن ربك من مثقال ذرة أنه يعلم كل شيء و في قوله و ما مسنا من لغوب أنه كامل القدرة و في قوله و لا يظلم ربك أحدا أنه كامل العدل و في قوله لا تأخذه سنة و لا نوم أنه كامل القيومية فقوله لا تدركه الأبصار يدل على غاية عظمته و أنه اكبر من كل شيء و أنه لعظمته لا يدرك بحيث يحاط به فان الإدراك هو الإحاطة بالشيء و هو قدر زائد على الرؤية كما قال تعالى فلما تراءا الجمعان قال أصحاب موسى أنا لمدركون قال كلا فلم ينف ين موسى الرؤية و لم يريدوا بقولهم أنا لمدركون أنا لمرئيون فان موسى صلوات الله و سلامه عليه نفى إدراكهم إياهم بقوله كلا و اخبر الله سبحانه و تعالى أنه لا يخاف دركهم بقوله و لقد أوحينا إلى موسى إن اسر بعبادتي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا و لا تخشى فالرؤية و الإدراك كل منهما يوجد مع الآخر و بدونه فالرب تعالى يرى و لا يدرك كما يعلم و لا يحاط به و هذا هو الذي فهمه الصحابة و الأئمة من

الآية قال بن عباس لا تدركه الأبصار لا تحيط به الأبصار قال قتادة هو اعظم من أن تدركه الأبصار وقال عطية ينظرون إلى الله ولا تحيط أبصارهم به من عظمته وبصره يحيط بهم فذلك قوله تعالى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار فالمؤمنون يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم عيانا ولا تدركه أبصارهم بمعنى أنها لا تحيط به اذ كان غير جائز أن يوصف الله عز وجل بان شيئا يحيط به وهو بكل شيئا محيط وهكذا يسمع كلام من يشاء من خلقه ولا يحيطون بكلامه وهكذا يعلم الخلق ما علمهم ولا يحيطون بعلمه ونظير هذا استدلالهم على نفى الصفات بقوله تعالى ليس كمثله شيء وهذا من اعظم الأدلة على كثرة صفات كماله ونعوت جلاله و إنها لكثرتها وعظمتها وسعتها لم يكن له مثل فيها و إلا فلو أريد بها نفي الصفات لكان العدم المحض أولى بهذا المدح منه مع أن جميع العقلاء إنما يفهمون من قول القائل فلان لا مثل له وليس له نظير ولا شبيه ولا مثل أنه قد تميز عن الناس بأوصاف ونعوت لا يشاركونه فيها وكلما كثرت أوصافه ونعوته فات أمثاله وبعد عن مشابهة اضرابه فقوله ليس كمثله شيء من أدل شيء على كثرة نعوته وصفاته وقوله لا تدركه الأبصار من أدل شيء على أنه يرى ولا يدرك وقوله هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير من أدل شيء على مباينة الرب لخلقه فانه لم يخلقهم في ذاته بل خلقهم خارج عن ذاته ثم بان عنهم باستوائه على عرشه وهو يعلم ما هم عليه فيراهم وينفذهم بصره ويحيط بهم علما وقدرة و أرادة وسمعا وبصرا فهذا معنى كونه سبحانه معهم أينما كانوا و تأمل حسن هذه المقابلة لفظا ومعنى وبين قوله ^ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ^ فانه سبحانه لعظمته يتعالى أن تدركه الأبصار وتحيط به وللطفه وخبرته يدرك الأبصار فلا تخفي عليه فهو العظيم في لطفه اللطيف في عظمته العالي في قربه القريب في علوه الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير فصل الدليل السابع قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلا ربها ناظرة و أنت إذا

أجرت هذه الآية من تحريفها عن مواضعها و الكذب على المتكلم بها سبحانه فيما أراده منها وجدتها منادية نداء صريحا ان الله سبحانه يرى عيانا بالأبصار يوم القيامة و إن أبيت إلا تحريفها الذي يسميه المحرفون تأويلا فتأويل نصوص المعاد و الجنة و النار و الميزان و الحساب اسهل على أربابه من تأويلها وتأويل كل نص تضمنه القران و السنة كذلك و لا يشاء مبطل على وجه الأرض أن يتأول النصوص و يحرفها عن مواضعها إلا وجد إلى ذلك من السبيل ما وجده متأول مثل هذه النصوص و هذا الذي افسد الدين و الدنيا وأضافة النظر إلى الوجه الذي هو محله في هذه الآية وتعديته بأداة الى الصريحة في نظر العين و إخلاء الكلام من قرينة تدل على أن المراد بالنظر المضاف إلى الوجه المعدي بالي خلاف حقيقته وموضوعه صريح في أن الله سبحانه و تعالى أراد بذلك نظر العين وإخلاء الكلام من قرينه تدل على أن المراد بالنظر المضاف إلى الوجه المعدي بالي خلاف حقيقة وموضوعه صريح في أن الله سبحانه وتعالى أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى نفس الرب جل جلاله فان النظر له عدة استعمالات بحسب صلاته و تعديه بنفسه فان عدى بنفسه فمعناه التوقف و الانتظار كقوله ^ انظرونا نقتبس من نوركم ^ و أن عدى بفي فمعناه التفكر و الاعتبار كقوله أو لم ينظروا في ملكوت السماوات و الأرض و أن عدى بإلى فمعناه المعاينة بالأبصار كقوله ^ انظروا إلى ثمره إذا أثمر ^ فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر قال يزيد بن هارون أنبانا مبارك عن الحسن قال نظرت إلى ربها تبارك و تعالى فنظرت بنوره فاسمع الان أيها السني تفسير النبي و أصحابه والتابعين و أئمة الإسلام لهذه الآية قال ابن مردويه في تفسيره حدثنا إبراهيم عن محمد حدثنا صالح بن احمد حدثنا يزيد بن الهيثم حدثنا محمد ابن الصباح حدثنا المصعب بن المقدام حدثنا سفيان عن ثوير بن أبي ناجية عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله في قوله تعالى ^ وجوه يومئذ ناضرة ^ قال من البهاء و الحسن إلى ربها ناظرة قال في وجه الله عز و جل و قال أبو صالح عن ابن العباس إلى ربها ناظرة قال تنظر إلى وجه ربها عز و جل و قال عكرمة وجوه يومئذ ناضرة قال من النعيم إلى ربها ناظرة قال تنظر إلى ربها نظرا ثم حكى عن ابن عباس مثله و هذا قول كل مفسر من أهل السنة و الحديث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Share to:

إرسال تعليق